ماتبع الحوار الوطني من حوارات بين المشاركات

حوار ما بعد الحوار الوطني 1-2

رانية سليمان سلامة

تمكَّن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني من شقِّ طريق وعرة والمضي فيها برشاقة وسرعة ومرونة، بالرغم من أنه أخذ على عاتقه مهمة تحميل مراكبه بالأطياف المتعددة والآراء المختلفة التي كنا نخشى مواجهتها حتى أدركنا أنها حجر أساس الاستقرار والبيئة الخصبة التي ينبت منها الإصلاح في مجتمعنا الثري بتنوعه والمتميز باتفاق أطرافه على هدف واحد هو الوحدة والنهضة.


لو لم ينجح الحوار الوطني إلا بالكشف عن تلك الحقيقة وتذكير المواطنين بها كل عام لكفاه، غير أنه لم يكتفِ فلقد أحرز تقدما ملحوظا خلال دوراته واستجاب لمطالب عديدة، وبإمكاننا أن نرصد تلك الاستجابة والحرص على التطوير بنظرة سريعة على لقاءاته السبعة، حيث انعقد اللقاء الأول دون مشاركة النساء وكان ذلك محل الانتقاد، فانعقد اللقاء الثاني بـ47 مشاركاً مقابل 10 مشاركات، حتى جاء اللقاء الثالث مساوياً بين عدد الرجال والنساء، أما اللقاء الرابع فقد حفل بمشاركة الشباب إلى جانب النخب ليناقشوا قضاياهم، غير أن كل تلك اللقاءات كانت بعيدة إلى حد ما عن المواطن العادي الذي كان يرى أنها لقاءات نخبوية تعقد في غرف مغلقة ولا يعرف عنها إلا ما ينتقي الإعلام إبرازه من خلافات رموز الطوائف المختلفة أو التحفظ على مشاركة النساء وغيره، حتى فتحت جلسات الحوار أبوابها للبث المباشر منذ اللقاء الخامس في خطوة جريئة أدركنا معها أن تجربة الحوار قد بلغت سن النضج وبدأت تخرج من ثوب الحساسية والخلافات الشخصية لتتجه صوب هدف واحد هو مصلحة الوطن، مع أخطاء وتجاوزات تقع في بعض الأحيان لتكشف عن مساحة الحرية الممنوحة للمشاركين وعدم وجود أي تدخل رقابي على ما يتم بثه، وهذا ينبع من ثقة القائمين على الحوار في المتحاورين والمشاهدين وصدق نواياهم في أن يكون الحوار الوطني مرآة للوطن.


استهوتنا تلك الخطوة غير أن المطالب تزايدت حول ضرورة نشر ثقافة الحوار وتوسيع نطاقه، كما كانت هناك انتقادات منطقية لعدم مشاركة المسؤولين في الحوار حتى تجد الأسئلة إجابات وتخرج التوصيات من إطار الورق إلى حيز التفعيل، وقد استجاب مركز الحوار الوطني لذلك منذ لقائه السادس بإطلاق اللقاءات التحضيرية والإصدارات المتتالية والدورات التدريبية والحوارية على مدار العام بالإضافة لمذكرات التفاهم مع عدد من الجهات لنشر ثقافة الحوار، كما أشرك المسؤولين حتى بلغ عدد الوزراء المشاركين في الحوار الوطني السابع الذي شرفت بالمشاركة فيه 3 وزراء عدا عن المحافظين والنواب.


لن أتطرق إلى ما ورد في اللقاء الأخير لأن البث المباشر قد قام بذلك ولكن لعل الجديد هو ما تبع الحوار من حوارات بين المشاركات وكان أبرز مافيها التفاؤل الكبير، فقد تملك الجميع الرضى عن ما خرج به اللقاء والإعجاب بجرأة الطرح وثراء الحوار مع الثقة في أن الحوار القادم سيكون أفضل. لقد تميزت مداخلات النساء بكون أغلبها يستند إلى تجربة أو يعكس تحضيرا طويلا لمناقشة المحاور بالإضافة إلى الحماس الناتج عن عدم وجود فرص أخرى مماثلة أمام المرأة ليصل صوتها إلى المسؤولين وإلى نخب وجمهور الرجال.


قيل إن وزير العمل قد خذلنا برد مقتضب، وإن وزير الخدمة المدنية قد أبلى بلاءً دبلوماسياً حسناً، وأن وزير التخطيط لم يترك سؤالا دون إجابة غير أنه قد دافع عن الاتهامات بصيغة الهجوم، آخذاً من يعرف خطط التنمية بجريرة من كان يجهلها، وقيل إن بعض المسؤولين قد أعد ورقة عمل وأخذ يرددها كإجابة لا علاقة لها بالتساؤلات، وإن جميع الإحصائيات التي وردت عن المخاطر العالمية لعمل المرأة لم تستند إلى مصدر لنأخذ بها. كل ذلك قد قيل غير أنه كان متبوعاً بنظرة تفاؤل ملفتة..

 

رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ