حوار فقد (لغته وآدابه وأهدافه) بانتظار مبادرة وطنية تسير على نهج الحوار الوطني

د.غازي القصيبي.. فارس الحوار الإلكتروني وضحيته

رانية سليمان سلامة

يعكس الإنترنت صورة من صور التحول الذي طرأ على مجتمعنا وعلى توجهات أفراده، وأصدق التصوير لذلك التحول قد يكون بتتبع تجربة، وأعجب تجربة تتبعتها إلكترونياً كانت تجربة الدكتور غازي القصيبي مع الإنترنت.

فالقصيبي كان أول مسؤول سعودي يعترف بالإعلام الإلكتروني ويتفاعل مع جمهوره عندما استجاب لدعوة الزميلة مي كتبي في عام 2000م و حل ضيفاً على مجلة عربيات الإلكترونية في بادرة أعتبر أنها كانت بمثابة إشارة مرور خضراء فتحت الطريق أمام الإعلام الإلكتروني ليتخذ مساراً أكثر جدية، وفي خطوة كسرت حاجز التردد في نفوس العديد من الشخصيات السعودية الهامة والعامة لتقدم على تجارب مماثلة تسجل حضورها من خلالها مدركة أن الإنترنت بوسعه أن يكون حلقة وصل بين شريحة الشباب والمسؤولين.

عندما استرجع تلك التجربة لايمكن أن أنسى أبرز مافيها فبمجرد الإعلان عن استضافة الدكتور غازي القصيبي آنذاك وفتح المجال لاستقبال أسئلة رواد الإنترنت تلقينا عبر البريد الإلكتروني أكبر عدد من الرسائل حتى تاريخه... أسئلة مرفقة بالإشادة والإعجاب بشخصية الضيف ومليئة بالرغبة في الاستفادة من تجاربه... وقد دل ذلك على أحد أمرين، إما أن شريحة الشباب على درجة عالية من الاهتمام والإلمام بكل الشخصيات الهامة وانجازاتها وإصداراتها أو أن الدكتور غازي حالة استثنائية نجحت في استقطاب اهتمام مختلف فئات المجتمع فتقاربت المسافات بينه وبينهم وتقلصت مساحات سوء الفهم، وارتقى مع تثمين ذلك التوجه أسلوب المتفاعلين معه ليحسنوا التعبير عن وجهات نظرهم ويجيدوا صياغة الطرح والنقد حتى يخرج هادفاً. وأعترف بأننا بعد نشر اللقاء في المجلة قد تلقينا عتباً دبلوماسياً وتوجيها سارعت على إثره بتصحيح جريمة (تطفلي) على بعض الإجابات تحت وقع المفاجأة من جرأتها أو الإحباط من اختصارها لأكتشف مع ذلك التوجيه أن الدكتور غازي كان يعي قبلي وقبل غيري أن الإنترنت قد فتح آفاقاً جديدة لمواجهة قضايانا بشفافية، كما كان يدرك أن القارئ على الإنترنت يبحث عن المختصر المفيد وعن رسالة تصل إليه بسلاسة، وعن مصداقية تعيد وترسخ ثقة الصغار في الكبار وتؤكد أن الرمز الكبير هو الذي إذا قال فعل وإذا وعد أوفى.

تلك التجربة للدكتور غازي القصيبي مع الإنترنت كانت الأولى ولم تكن الأخيرة، فقد حل ضيفاً بعدها بأشهر قليلة على مجلة الإقلاع الإلكترونية، وتبعها بعد عامين تقريباً بتجربة أكثر إثارة حيث تواجد في حوار إلكتروني مباشر بمنتدى صحيفة إيلاف الإلكترونية ليواجه رواد الإنترنت بأسمائهم الحركية دون فلترة لأسئلتهم وانتقاداتهم ودون حرج من الإجابة.

المفارقة هي أن أول شخصية سعودية آمنت بالإنترنت وبادرت بخوض تلك التجارب الداعمة للحوار الإلكتروني حتى حظيت بالتفاعل الإيجابي والتقدير من الجمهور قد أصبحت اليوم أبرز ضحايا هذه الأداة وأكثر شخصية سعودية تتعرض للهجوم والنقد الجارح.

وبقياس الماضي القريب بالحاضر (الإنترنتي) آخذين التعاطي مع هذه الشخصية تحديداً كنموذج، بوسعنا أن ندرك التحول الكبير الذي طرأ على (المجتمع العنكبوتي) من الرؤية الإيجابية لتجارب الآخرين إلى نظرة ساخطة و مشحونة بالمشاعر السلبية، ومن الجانب المهني الذي يفترض أن يطغى على اهتمام المحاور إلى جوانب شخصية تطغى عليها محاولة قراءة النوايا مع إعمال سوء الظن، ومن البحث عن الاستفادة من مساحات الحرية التي وفرتها الإنترنت وفرص التواصل مع الشخصيات الهامة إلى فوضى غير خلاقة ولاأخلاقية ومسابقة يفوز فيها الأكثر قدرة على الإساءة بعيداً عن التأطير الموضوعي للطرح.

نفس المجتمع الذي كان يتساءل عن سبب منع بعض مؤلفات الدكتور غازي ويطالب بإجازتها بات يتذمر اليوم منها ويعترض على وجودها في مكتباتنا... ونفس الأداة التي بارك القصيبي انطلاق دورها الإعلامي متوسماً الخير في فضاءات حريتها باتت سلاحاً خطيراً يساء استخدامه... ومع الأسف، نفس الرمز الذي اتسع صدره فيما مضى ليحتوي ويواجه كل سلبيات وإيجابيات الحوار الإلكتروني نجده قد ضاق ذرعاً به في تصريحاته الأخيرة.

كل ما سبق ذكره يشير إلى أن الحوار الإلكتروني بعد مروره بمراحل التأسيس لحرية التعبير متبوعة باتساع وانتشار رقعته ومصحوبة بتزايد شريحة المتحاورين قد تم اختطافه قبل أن يحتفل ببلوغه مرحلة النضج، وقد تمت عملية الاختطاف بسلاسة في ظل تجاهل النخب والجهات ذات العلاقة للظواهر السلبية التي ظلت تتكاثر الكترونياً دون اهتمام أو خطط موجهة لاحتوائها... الحوار ببساطة في أغلب المواقع الإلكترونية التفاعلية قد فقد (لغته وآدابه وأهدافه) وهذا الثلاثي المفقود لن تعثر عليه سوى مبادرة وطنية تسير على نهج الحوار الوطني وتتجه صوب المجتمع الإلكتروني مستشعرة حجم الخلل والخطر ومدركة لأهمية هذه الأداة وضرورة الارتقاء بوعي مستخدميها.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ