لونظرنا لبقية قطاعتنا بنفس الأهمية التي ننظر بها لقطاع النفط لتكررت تجربة نجاح أرامكو

ماذا نتعلم من اليوبيل الماسي؟

رانية سليمان سلامة

«من هي أرامكو»؟ سؤال أجزم بأن العالم يعرف إجابته، لكن السؤال الذي ظل يحاصرني في مقر احتفالات أرامكو بيوبيلها الماسي في الظهران الأسبوع الماضي كان "لماذا أرامكو؟"، لا أظن أن توليفة نجاح الشركة تخفى على أحد فالسؤال إجابته سهلة غير أن استنساخ التجربة ظل مستعصياً.

اتفاقية امتياز لشركة أجنبية تتضمن شرط تدريب وتوظيف السعوديين للاستفادة من الخبرات الدولية مع احترام للمصالح المشتركة، والنتيجة كانت أرامكو السعودية.

قد تكون تلك هي المعادلة المختصرة للتفاعل بين العناصر التي نتج عنها نجاح للشركة، غير أن هذا الاختصار يخفي وراءه تفاصيل لم تغفلها الشركة الأجنبية في مرحلة التأسيس فهناك قانون ونظام واضح يحكم كل عمل أو قول أو فعل تمارسه الشركة وموظفوها مع سهولة وصول منسوبيها إليه برقم رمزي يقلص من حجم الاجتهادات الشخصية التي قد تهدر وقت الإنجاز والعمل وقد ساعد هذا النظام على تثبيت سياسة الشركة للمحافظة على أدائها إلى حد كبير مهما تغيرت الإدارات، بالإضافة إلى ذلك نجد ما تقدمه أرامكو من برامج تدريبية لموظفيها في إطار تطوير المهارات الوظيفية والقدرات الشخصية لا يقارن بأي حال من الأحوال بالبرامج التدريبية التي توفرها أية جهة أخرى محلية لموظفيها. أما الجدير بالاحترام فهو أن نظام الشركة يسمح لموظفيها بطلب خطاب رسمي موجه لوزارة التجارة يفيد بعدم ممانعة إدارة الموظف لحصوله على ترخيص ممارسة نشاط تجاري خاص شريطة أن لايتضارب ذلك النشاط مع مصالح الشركة أو يستغل مشاريعها.

في قاعة الاحتفالات كانت تجلس بجواري إحدى موظفات أرامكو وتتفاعل مع فقرات الحفل بحماس أثار فضولي لأسألها "لماذا؟"، فقالت بفخر:"لأن أرامكو تفتح أمام موظفيها الطموحات" وتلك الإجابة عادت بي مباشرة إلى قصة عامل سعودي منعه مهندس أمريكي من شرب الماء من البراد الخاص بمهندسي أرامكو فجد واجتهد وتدرج وظيفياً ليرأس الشركة ومن ثم يصبح وزيراً للبترول، قصة المهندس علي النعيمي تكشف أحد أسرار نجاح الشركة التي يفتح نظامها الإداري أبواب الفرص على مصراعيها أمام الموظفين ويحترم الكفاءة والمقاييس المهنية لنيل المناصب خلافاً لشركات يدرك فيها الموظف الصغير أنه سيشيب على الوظيفة التي شب عليها بعيداً عن المناصب المحتكرة بمقاييس قد لايكون لأغلبها علاقة بالكفاءة والمهنية.

لقد عرف عن أرامكو أنها تمارس عمليات خطف مشروعة واستقطاب محمود للمتميزين وقد أصبح للمتميزات حظهن كذلك من الوظائف منذ أن حصلت الشركة في عام 1964م على إذن خاص من الملك فيصل لتوظيف السيدة نجاة الحسيني.

أسمع عن بيئة العمل في أرامكو وأنظر حولي إلى حضور الحفل وأتساءل كيف لم تستنسخ تجربة أثبتت نجاحها لعقود من الزمان؟، كيف لم تدرك بقية الشركات والمؤسسات المحلية أن الوظيفة يشغلها الأكفأ رجلاً كان أم امرأة؟ لقد تفوقت في أرامكو بالمنطقة الشرقية مصلحة العمل على مراعاة نظرة المجتمع القاصرة في بعض الأحيان تجاه المرأة والشاب والأجنبي.

ربما نكون بحاجة إلى النظر لبقية قطاعاتنا بنفس الأهمية التي ننظر بها لقطاع النفط حتى تتكرر تجربة نجاح أرامكو السعودية، أو قد نكتفي بالثقة الممنوحة للشركة لتشرف على تنفيذ مشاريع تنموية علمية وثقافية واقتصادية وهو الدور المرتقب لها في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ومركز الملك عبدالعزيز للإثراء المعرفي الذي ستبادر بانشائه ليخدم احتياجات المجتمع المعرفية والثقافية والإبداعية، والمهم في الحالتين أن ننظر إلى توليفة النجاح ككل متكامل لايتجزأ ولايمكن إسقاط أحد عناصره أو التنازل عنه إلا إذا كنا ننوي تأجيل جني الثمار وإهدار الاستثمار البشري والمادي.

رئيسية تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ