مشروع القرن الأمريكي الجديد الذي نبت من رؤوس المحافظين الجدد

هل أنت PNAC أو POAC ؟

رانية سليمان سلامة

من كان يصدق أن لبنان الذي غرق لسنوات في أوحال الحروب الأهلية بأسلحتها الخفيفة، سرعان ما التقط أنفاسه بعد أن واجه بجبهة موحدة عدواناً خارجياً استخدم ضده كافة أنواع الأسلحة الثقيلة؟... ومن كان يتوقع أن تتحد الأديان وتتعانق الأحزاب وتؤجل الخلافات وتفوت فرصة تصفية الحسابات من أجل وحدة وطنية تؤمن بها كل الأطياف؟.

لعل ذلك الصمود يعلمنا الكثير، كما يضيف إلى سطور بعض المخططات معلومة مفادها أن للشعوب الكلمة العليا في تقرير مصيرها.

ماسلف ذكره هو عبارة عن تجربة ونتيجة كان يراهن عليها فريق POAC خلال جولات محاكمته لأطروحات فريق PNAC.

PNAC اختصار (مشروع القرن الأمريكي الجديد) وهو القرن الذي نبت من رؤوس المحافظين الجدد في عام 97م مقرراً أن القيادة الأمريكية هي جيدة لأمريكا وللعالم، ومقدماً مقترحاته الرامية إلى عدم الاكتفاء بالهيمنة الاقتصادية وضرورة الاعتماد على القوة العسكرية من جديد مع حشد التأييد والدعم الشعبي لها تمهيداً لبناء امبراطورية جديدة تنفرد بحكم العالم وتفرض عليه مفاهيمها بديكتاتورية مغلفة بوعود الحرية والديمقراطية.

ولطالما تساءلت وأنا أنظر إلى قرون الثور الهائج كيف نبتت وكبرت وأصبحت بهذا الحجم حتى لم يعد من السهولة بمكان كسرها، ولكن لم يطل بي المقام لمعرفة كيف تحولت آذان صغيرة في رأس من كتب ذلك المشروع حبراً على ورق إلى قرون شيطان تنطح بقوة سلطتها من يقف عقبة على طريق بناء مشروعها... فالسر الذي حول المشروع  من مايمكن أن ندرجه تحت قائمة الأحلام ونظريات المؤامرة هو أن كتّابه قد أصبحوا صناع القرار والعناصر الفاعلة في تحريك مسار السياسة الأمريكية الخارجية.

من يقرأ 90 صفحة تمثل أهم تقارير PNAC على موقعها الرسمي في الإنترنت تحت عنوان «إعادة بناء الدفاعات الأمريكية» سيدرك أخيراً من أين تتساقط فوق رؤوسنا محتويات الخطابات الرسمية التي تطلقها الإدارة الأمريكية الحالية بما تتضمنه في كل مرة من مفاجآت تجعل ذا اللب فاغر الفاه... فبعضها حِكم مثل (إن لم تكن معي فأنت ضدي)، وبعضها أشكال هندسية مثل (مثلث الشر) الذي تحول إلى شكل منحرف لامحدود الأضلاع، وبعضها استحداث لظواهر جديدة في اللغة مثل إيجاد أول كلمة في التاريخ ليس لها تعريف متفق عليه لتظل كلمة (إرهاب) قابلة لإسقاطها على أي موقع من الإعراب، وبعضها زلات لسان مثل (الحروب الصليبية) و(الفاشية)، وبعضها (فيتو) في خطوة أولى على طريق الاستئثار بالقرار، وبعضها ألغاز مثل (الأسلحة غير المشروعة) التي يجري تشريع استخدامها للقضاء على من نخشى من امتلاكهم لأسلحة غير مشروعة قد تهدد العالم بمخاطرها، وأخيراً نصل إلى نقطة محورية هي (الشرق الأوسط الجديد) وهذا الأخير في واقع الأمر مجرد تخفيف لوطأة الحديث عن آلاف الأميال على طريق إعادة رسم الجغرافيا وكتابة التاريخ... ذلك الطريق الذي يبدأ بخطوة إشعال الخلافات متبوعة بطمس الحضارات لتليها (فرمتة) ذاكرة الشعوب ووضع اليد على ثرواتها الطبيعية ليس للاستفادة منها كوقود لأدوات الحضارة فحسب ولكن لاستخراج صك ملكية عليها يؤهل الدولة العظمى لاستخدام البترول على سبيل المثال فيما بعد كوسيلة ضغط وسلاح مشهر في وجه بقية دول العالم بما فيها الأوروبي ليرضخ لقوانين القرن الجديد.

في المقابل POAC اختصار (لمشروع القرن الأمريكي القديم) وفريقه يمثل نموذجاً لجماعات صغيرة ومتفرقة تكونت في أمريكا والغرب لم تكتفِ بالوقوف على أطلال الحلم القديم بل شقت طريقها نحو التوعية بمخاطر المشروع الجديد والأخطاء الفادحة التي يرتكبها رموزه بحق الشعب الأمريكي وشعوب العالم... ولقد وضع هذا الفريق يده على الثغرات قبل أن تكشفها التجربة العملية... فالثغرة التي لم تكن بالحسبان هي أن المشروع يستهدف الشعوب ويراهن على استجابتها في نهاية المطاف، وقد سقط من أجندته أن الثكالى لن يطيب لهن شرب نخب الحرية من كأس من ذبح أبناءهن أضحية للاحتفال بميلاد القرن الجديد، وأن الأيتام سيكبر ثأرهم معهم، وأن من ذاق مرارة الصراعات الداخلية والحروب الأهلية أو كان شاهداً ذات يوم عليها لن يسقط بسهولة في شراكها ليقدم وطنه قرباناً على طبق من ذهب للطامعين.

لبنان كانت نموذجاً نجح في خلال ساعات قليلة بتوحيد صفه ونبذ خلافاته واختلافاته مبعثراً كل أوراق الحسابات الخاطئة التي راهنت قبل أن تشعل كبريتها على صب شيء من البنزين فوق قش الخلافات المتناثرة.

وكم أتمنى أن تكون رسالة لبنان قد وصلت لبقية الشعوب العربية لتختار فريقها قبل فوات الأوان.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ