لايمكن أن تكون الحلول لصالح طرف على حساب الآخر

حوار العمل وثقافته

رانية سليمان سلامة

افتتح الحوار الوطني جلساته التحضيرية للقاء السابع في مدينة جدة الأسبوع الماضي بقضية شائكة فرضت نفسها من خلال المداخلات ليكتشف الجميع أنها محور أساسي بالرغم من أنها لم تكن مدرجة في برنامج الجلسات.

القضية باختصار هي الإحصائيات التي تتحدث عن نسب البطالة حيث استمعنا إلى عدد من الإحصائيات المتضاربة التي يجمعها قاسم مشترك واحد هو الاجتهاد، وكلها كانت نموذج لإحصائيات كثيرة نستند إليها في الكشف عن المشاكل ومعالجتها كنت قد وصفتها في مقال سابق بأنها مع افتقادها للدقة ستضلل صانع القرار.


وهذا ما تأكد بشكل غير مباشر أثناء الحوار فلم نعرف هل نستند إلى الإحصائيات التي تؤكد أن نسبة البطالة كبيرة جداً وبالتالي علينا أن نضعها على رأس سلم الأولويات لتتحرك كافة أجهزة الدولة وقطاعاتها مساندةً وزارة العمل في القضاء على البطالة بشكل سريع؟ أم نأخذ بالإحصائيات التي تشير إلى أن النسبة ضئيلة والوضع يحتمل وضع خطط بعيدة المدى تحقق أهدافها بشكل تدريجي؟.

لم تكن مشكلة الإحصائيات النموذج الوحيد الذي يمكن تعميمه وإسقاطه على غيره، فالمشكلة الثانية برزت منذ أن بدأت حلقة الاتهامات المتبادلة بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي والتعليم وطالبي الوظائف ووزارة العمل والنتيجة هي أننا لو نظرنا إلى طرح كل طرف على حدة سنجده صحيحاً بلا جدال..
أما عندما نبحث عن حل فلايمكن أن تكون الحلول لصالح طرف على حساب الآخر بل يجب مراعاة كافة الأطراف والتنسيق بينها للوصول إلى خطة علاج متوازنة.

لو أخذنا القرارات التي تصدر ولا تفعل أو تواجه العراقيل كمثال، فلست أدري هل السبب مجرد سوء تنسيق بين الجهات التنفيذية أو أنه محاولة فرض كل جهة لسيادتها دون مراعاة المصلحة العامة التي تتطلب تذليل العقبات والتعاون لتنفيذ القرارات.
 
قرار تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية نموذج حي لانعرف بالرغم من إرجائه لماذا لم يتحمس له القطاع الخاص؟ ولماذا أسهمت في عرقلته بعض الجهات الرقابية؟.

ثمة فارق بين الحلول الجزئية والحلول الجذرية، فقد يرى البعض أن حل قضية البطالة النسائية على سبيل المثال يتطلب توفير فرص عمل ولكن مع الأسف لو توفرت اليوم فرص وظيفية تغطي حجم البطالة فلن تتمكن أغلب النساء من شغلها بسبب مشاكل أخرى كالمواصلات.

بالعودة إلى الإحصائيات التي تصدر عن معدلات البطالة أتطلع إلى أن تكون دقيقة إلى حد التفريق بين من تبحث عن وظيفة لإثبات الذات وهذا حقها كإنسانة وخدمة وطنها وهذا واجبها كمواطنة، وبين من تبحث عن وظيفة لأنها محتاجة لأجرها حتى توفر لنفسها ولأسرتها حياة كريمة في وطنها. فإحصائية من هذا النوع قد تكون كفيلة بتغيير نظرة المجتمع لعمل المرأة وبتحفيز كافة الجهات المعنية على التعاون في هذا الإطار.

ستظل أولاً وأخيراً مشكلة نشر ثقافة العمل قائمة بحثاً عن حلول أتمنى أن نستبعد منها الشعارات والمواعظ فليس من المنطقي أن نقول للشاب بأن أي مهنة خدمية بسيطة هي عمل شريف ومحترم بينما المجتمع ينظر لها بدونية ولايقبل بتزويج بناته ممن يمتهنها، فإن كنا حقاً جادين بسعودة جميع الوظائف وتغيير نظرة المجتمع لها فنحن بحاجة لأن نبدأ أولاً بإرساء هذه المفاهيم في المدارس والجامعات ليصبح على كل طالب تأدية ساعات عمل إجبارية كل فصل بنظام العمل الحر بالساعات في وظائف بسيطة لاتتطلب تدريب مكثف.. ليخرج لنا جيل يحترم هذه الوظائف ويقبل عليها بلا حساسية مفرطة وأسر تحترم بدورها هذه المهن بعد أن شاهدت ابنها وهو طالب يمارسها.

تشريع العمل بالساعة لن يخدم فقط الطلاب ونشر الثقافة بل سيساعد كذلك الموظف الذي قد يكون بحاجة إلى تحسين مستوى دخله فيتمكن من العمل في أوقات الفراغ بوظيفة جانبية يحصل على أجرها في نهاية اليوم، ومثله وربما أهم تشريع العمل عن بعد والذي باتت جميع الدول المتقدمة تعتمده لتقليص تكاليف افتتاح المكاتب وإيجاد فرص وظيفية تناسب الجميع بمرونة.

المبشر هو أن كل تلك النقاط وغيرها الكثير كانت مطروحة على طاولة الجلسة التحضيرية للحوار الوطني في جدة.. والمأمول أن تؤخذ بعين الاعتبار في التوصيات.. والمطلوب أن تخرج إلى حيز التنفيذ بآلية تتفادى السقوط في فخ العقبات التي ظلت تعاني منها قرارات وتوصيات سابقة.
 
رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ