التعبير البصري باستخدام العبارات يهدف لرفع صوت الهوية

عبارات السيارات إفصاح عن ذوات أصحابها

رباب أحمد - البحرين
صور وفيديو

انتشرت خلال السنوات الأخيرة في البحرين وفي عدد من الدول الكتابة عبارات على النافذة الخلفية للسيارات، ومن خلال الملاحظة الميدانية، فأن العبارات الدينية تشكل أكثرية هذه العبارات، بين "اللهم صل على محمد وال محمد"، "ما شاء الله"، "السلام عليك يا أبا عبد الله"، كتعويذات لحماية السيارة وراكبها، وإبراز للأيدلوجيا الدينية لصاحب السيارة.
المواطن سيد هاشم عبد الهادي اختار كتابة عبارة "خد نظره وصل على النبي" لكونها بركة على السيارة من وجهة نظره، و يؤكد: "مافي أحسن منها"، بينما اختار شقيقه نصيحة ساخرة على سيارته وهي: "صير نذل يعرفونك عدل".

حافلات التوصيل كان لها نصيب أيضا من هذه العبارات والتي تقوم بدور ترويجي، لكن هذا الترويج قد يكون بالشكل الاعتيادي المتعارف عليه "النوراء للتوصيل"، وقد يخرج عن المعروف كـ "حتى جهنم نودي"، في إشارة من صاحب الحافلة إلى استعداده إلى التوصيل في كافة المناطق وبصورة فكاهية.
فيما تبرز عبارات البعض الآخر اهتمامات و"كاريزما" الشخص، إذ يضع احدهم على حافلة التوصيل الخاصة به "كل يوم ملل"، فيما تصف عبارة أخرى "يوميات رجل مهزوم"، وتمجد ثالثة فريق رياضي "أهلاوي"، كما تبرز بعض العبارات التي تشير إلى مباهاة الشخص لمنطقته، وتتصدر منطقتي "المحرق"، و "الرفاع"، وفق الملاحظة الميدانية أيضا في البحرين.

ولأن السيارة تتنقل في الميدان العام المشترك، فأن مرور سيارة تحمل عبارات تتيح للجميع رؤيتها له تصنيفات مختلفة، حيث يراها البعض شكل من أشكال فرض ثقافة ما على الآخرين خاصة كبار السن كونهم بصورة عامة أكثر فئات المجتمع تحفظاً على مستجدات العصر، ولا يرون في العبارات الدينية أمراً مزعجاً لهم أو على الأقل ليست ضمن أطار ما يثير إستياءهم، ويقول أبو خالد الخمسيني: "ما أشوف فيها شي"، ويكمل لـ عربيات مبتسماً: "بس ساعات تشوف أشياء تضحك أو ما لها معنى". ويوضح أبو خالد أحد الشباب كتب على سيارته عبارة "النخجة"، والأخيرة أحد أنواع البقوليات.
بدورها تجد أم نور محمد _52 عاماً_ الكتابة على السيارات حرية شخصية، طالما لم تسبب في تجريح أي فئة من الناس أو تخدش الحياء أو تتعارض مع أعراف المجتمع. وتشير نور -الجامعية والأم لأربعة أبناء- بأنها تضع على سيارتها عبارة تؤكد على "إن الله يمهل ولا يهمل"، أما أم محمد الستينية فلم تنبه يوماً للعبارات المكتوبة على السيارات لكونها أمية.

كريمي: رمز للتواصل والتخاطب وكشف الهوية


وتذكر الأستاذ المساعد بالانثروبولوجيا الاجتماعية في جامعة البحرين سوسن كريمي بأن العبارات على السيارات تعكس مواقف وتعاطي الإنسان تجاه الحياة و انتماءه الديني، وصورة من صور الهوية، وتعطي مؤشر يريد صاحب السيارة إيصاله إلى الناس، كما يمكن تحليل شخصية صاحب السيارة من خلال العبارة التي يستعرضها. وتضيف كريمي لـ عربيات: "يمكن اعتبار هذه العبارات  كرمز من رموز التخاطب والتواصل بين البشر".

وبطبيعية الحال فأن كل هذه العبارات تسير في الميدان العام المشترك، تقول كريمي: "حينما لا تتجاوز العبارات حقوق الآخرين وهوياتهم، ولا تقلل من شأن أي أيدلوجية أخرى، و لا تحمل ضرراً فليس فيها فرض لثقافة الأنا على الآخر، ولا يخفى أن بعض العبارات تحمل ألغام للآخر".

وحذرت كريمي من ما أطلقت عليه "التبعية الفكرية" دون الوعي في العبارات على السيارات، وأشارت كريمي إلى ضرورة توخي السلامة بعدم وضع الكثير من العبارات على النافذة الخلفية للسيارة، حتى لا تحجب الرؤية.

حمزة: الجلد الثالث يتكلم


أما المختص في ثقافة الصورة والاقتصاد المعرفي جعفر حمزة فيؤكد على أن الإنسان يميل بطبيعته للتعبير عن ذاته وأفكاره بطرق شتى، حيث تتنوع وتتسع دائرة التعبير بحسب المحيط والثقافة العامة، فضلاً عن الأدوات المستحدثة التي تُساهم بطريقة أو بأخرى في إظهار ذلك النمط من التفكير في التعبير للآخر.

ويوضح حمزة لـ عربيات: "هناك التعبير بالمظهر الخارجي للإنسان من خلال مظهره وسلوكه، بل حتى جلده في بعض المجتمعات كرسم التاتو على الجسم مثلاً، وتمتد مساحة التعبير من الجلد الأول وهو مساحة جسم الإنسان إلى الجلد الثاني له وهو اللباس وتوابعه من قلائد وخواتم وساعات وغيرها، لتصل مرحلة التعبير إلى كل شيء -ملتصق- بالإنسان، ومنها دابته وهي السيارة، وهي جلد الإنسان الثالث، حيث تمثل لباساً جديداً له تظهر شخصيته ومكانته المادية والاجتماعية، لتتحول في كثير من الأحيان إلى رسالة متحركة تعكس سلوك وفكر السائق، سواء من ناحية اجتماعية، سياسية، دينية وغيرها".
ويضيف حمزة: "تحولّت وسيلة النقل تلك إلى أداة من وسائل التعبير عن الذات وشخصية السائق ومزاجه، حيث لا يكتفي البعض بوشم سيارته بعبارة أو برمز أو ملصق ذو توجه معين، حتى يضيف له رمزاً آخر من توجه آخر قد يبدو نقيضاً للأول، أو على الأقل بعيداً عن نفس لغة الشعار أو الرمز الأول، حيث يكون الأول دينياً بحتاً والآخر لا يمت بصلة بثقافة المجتمع أصلاً، وهكذا تتحول مساحة الزجاج أو قطعة الحديد على السيارة إلى تلاوين ثقافية ورسائل متنوعة تعبر عن الهوية لصاحب السيارة."
ويفصح حمزة: "يُلاحظ ظهور هذه الحركة في المجتمعات العربية والشرقية بصورة عامة، بل حتى في بعض دول أمريكا اللاتينية، وقد يعزو الأمر في ذلك إلى ما تميل إليه هذه الشعوب من التعبير -المسموع- لأفكارها وتوجهاتها، حي تسبح تلك الآراء في مختلف الصور المتاحة للتعبير من ملبوس ومركوب ومأكول ومشروب حتى، ونتذكر أن المصريين قد أطلقوا على بعض الأحذية التي قاموا بتصنيعها اسم شارون إبّان هجوم هذا الوحش على الفلسطينين وإعمال المجازر فيهم".
ويوضح: "ما نراه من تعبير بصري مكتوب أو مرسوم هي حالة متوقعة لرفع صوت الهوية بطريقة مسموعة، وتشير كل ذلك إلى صورة من صور الواقع الاجتماعي أو السياسي والديني من خلال تلك الصور المكتوبة التي تنتقل وتعلن على الملأ حضورها بطريقة متحركة أينما توجهت، وتستحق التوقف والقراءة بعمق في مداليلها ومؤشراتها المختلفة".


في شارع البديع العبارات الدينية الأكثر طلبا و"الرياضية" في الرفاع


ويشير صاحب محل سولان لزينة السيارات في الرفاع لـ عربيات إلى أن أكثر العبارات المطلوبة في محله، هي لأسماء المناطق مثل الرفاع والمحرق، ولأسماء النوادي الرياضية في البحرين، وأحيانا العبارات الدينية مثل "الحمد له "، "وتبارك الرحمن".

بينما يؤكد عبد الهادي مهدي -صاحب محل -"TOP GEAR" - على أن العبارات الدينية هي الأكثر طلبا. ويوضح لـ عربيات: " تختلف الأسعار حسب العبارات لكنها بصورة عامة تترواح من الدينار إلى الخمس دنانير، حسب عدد الأحرف، وحجمها، فالكلمات الصغيرة الحجم أغلى ثمناً من الأحرف الكبيرة الحجم، كونها تحتاج للدقة والتركيز الكبير".