أول مركز في الشرق الأوسط لتأهيل ضحايا الاستغلال الجنسي

يد الأمل تمتد لأطفال الشوارع المغتصبات والأمهات الصغيرات

عربيات - القاهرة: سمر الحلو
صور وفيديو

قد يكون إصدار قانون يجرم التحرش الجنسي ويعاقب عليه خطوة على طريق الحد من ظاهرة تبدأ بالتحرش اللفظي وربما تنتهي بجرائم إغتصاب لا يكفي معها عقاب المجرم بل تتطلب تأهيل الضحية. بحثاً عن يد العلاج، وصلنا في عربيات لأحد بيوت إيواء ضحايا الاستغلال الجنسي فى مصر ورعاية الفتيات القاصرات اللاتى تم اغتصابهن والاعتداء عليهن، وتاهيلهن نفسياً واجتماعياً للإندماج في المجتمع... الأمر قد يبدو غريباً نوعاً ما على مجتمعاتنا الشرقية ولكن جمعية قرية الأمل وتحديداً مركز الأمهات الصغيرات الذي يعد أول مركز في الشرق الأوسط يحتضن الفتيات المغتصبات ويقدم برامج للتأهيل والإدماج. كان لـ عربيات هذا التحقيق من داخل أسوار المركز، وألتقينا ببعض النزيلات وفريق الإشراف على تأهيلهن نفسياً واجتماعياً للتعرف على البرامج المقدمة لهن. 


من ضحية لزنا المحارم إلى صانعة "كروشيه" 
في البداية واجهتنا صعوبات عديدة لإقناع النزيلات بإجراء الحوار والتصوير حتى نجحنا في محاورة غادة وهي حالة تعرضت لزنا محارم. كانت ولا تزال تحت وقع الصدمة من الحادث حيث أن الجاني الأول هو والدها الذى قام باغتصابها - كما أخبرنا أحد القائمين على علاجها بالجمعية - وتعد من أصعب الحالات بسبب ميولها العدوانية نوعاً ما.
تستهل غادة حديثها قائلة: "أكره والدي بشدة وأتمنى أن يموت! وسوف أشعر بالسعادة عند سماعي خبر وفاته لأنه السبب الرئيسى الذى دفعني لترك المنزل والهروب إلى الشارع الذي كان أرحم من الحياة معه، حيث كان يعتدي علي بالضرب، ويمارس معي ومع إخوتي مختلف أشكال الذل والمهانة، فهو متزوج بأخرى غير والدتى التى لا حول لها ولا قوة"... وتضيف: "أصبح الشارع ملجئي وبيتي، كنت أنام على الأرصفة وأتعرض للمضايقات والتحرشات كل ليلة، وتعرفت على (بنات السوء)، غير أنني لم أمارس الرذيلة أو أقع فريسة الإدمان على المخدرات مثلهن، لكنني تعرفت على سائق سيارة أجرة وعرض علي العمل معه بدلاً من التسول فوافقت، مع الوقت أحببته واستدرجني حتى حملت منه وأنا دون الثالثة عشر من عمري. أقنعنى بأن نتزوج عرفياً لأننى مازلت قاصراً ولم أستخرج بطاقة شخصية، فوافقت على الفور، وما لبثت أن هربت مجدداً بعد قضاء شهرين معه في غرفة داخل أحد المنازل عانيت فيها الأمرين مع أقاربه، وسمعت أن هناك بيتا لإيواء المغتصبات ورعايتهن فذهبت على الفور، وتعلمت هنا حرف يدوية كثيرة مثل (الكروشية) والغزل، وأتمنى أن أتخرج من الجمعية وأعتمد على نفسي، وأقوم بتعويض إبنتي عن كل ما حرمت منه في حياتي".


ورشة الحرف اليدوية

بائعة المناديل، من الرصيف إلى القرية
أما دعاء التي توفي والداها فوجدت نفسها وحيدة فى الدنيا، خرجت إلى الشارع ولم تتجاوز السادسة عشر من عمرها لتواجه الحياة، فقد فقدت منزلها بعد وفاة والديها وكانت تبيع المناديل الورقية وتنام على الأرصفة ليلاً، حتى تم اغتصابها عدة مرات والكارثة أنها حملت ووضعت طفلاً، ولم تعلم آنذاك كيف تتصرف وإلى أين تذهب، حتى التقطتها سيارة قرية الأمل من الشارع لتنضم إلى زميلاتها فى المسكن الخاص بالفتيات المغتصبات.

بوابة العمارة التي تحملت مسؤولية خطيئتها
وتروى دولت إحدى الفتيات المغتصبات المقيمات بالجمعية وعمرها لا يتجاوز التاسعة عشر عاما قصتها، حيث كانت تعمل بوابة بعمارة سكنية مع أسرتها بالاسكندرية، وكانت تتردد على شقة أحد السكان وهو طالب بالمرحلة الجامعية من أسرة راقية وثرية، أغواها - على حد قولها - وأقنعها بأنه يحبها وسوف يتزوجها حينما يتخرج من الجامعة، فوثقت به بسذاجة وحملت منه فبدأ يتهرب منها، حتى علمت أسرتها وانتقلوا لمكان آخر إخفاءً للفضيحة، غير أنها قررت أن تتحمل مسؤولية الخطيئة التي ارتكبتها بمفردها، فذهبت إلى جمعية قرية الأمل لتبدأ حياة جديدة، وتتعلم حرفة تكتسب منها مالاً تنفق به على طفلها.

الغالبية في مرحلة عمرية حرجة
والتأهيل بالإيواء والرعاية النفسية والتوعية والتعليم

وائل عبد الفتاح الأخصائي الاجتماعي بجميعة قرية الأمل والمشرف على تأهيل الفتيات المغتصبات أوضح دور الجمعية بقوله: "لدينا أكثر من 11 فرعاً على مستوى القاهرة، من أهمها مركز الأمهات الصغيرات والذي نسعى من خلاله لإعادة تأهيل الفتيات ضحايا الاستغلال الجنسي والبدني، وتوفير رعاية خاصة للأمهات الصغيرات وتوعيتهن بأساليب الحماية والوقاية والصحة الإنجابية، وكيفية حصولهن على حقوقهن القانونية، إلى جانب تدريبهن على حرف غير تقليدية ليكتسبن مهارات تساعدهن على الاستقلال والاعتماد على أنفسهن اقتصادياً"... ويضيف: "أغلب الفتيات في مرحلة عمرية حرجة لا يدركن معها معنى الحمل والولادة، فلدينا طفلة فى الثالثة عشر حامل وهي أصغر فتاة في الجمعية،  ويوجد أكثر من 200 فتاة مقيمات بشكل دائم في المركز، ونحن نركز فى تعاملنا مع الفتيات على الفئات العمرية التى تتراوح ما بين 12 و 13 لأنهن قاصرات، ولا يستوعبن ما حدث لهن من جرائم، لذا نساوي بين الإغتصاب والزواج العرفي، ولا نفرق بين وقوع الحادثة بمحض إرادة الفتاة أو رغماً عنها، لأنها في الحالتين تعد قاصراً وضحية للاستغلال الجنسي".

أغلب المغتصبات من أطفال الشوارع، والأسر بحاجة إلى تأهيل
وعن الصعوبات التي يواجهها المركز، يقول: "أغلب الفتيات المغتصبات لدينا من أطفال الشوارع، وهناك صعوبات تواجهنا فى التعامل معهن في البداية حيث أنهن يفتقدن الثقة في كل من حولهن، خاصة من تعرضت منهن لـ (زنا المحارم)، ولذا يتكتمن على الواقعة في أول مقابلة، أو يكن تحت وقع الصدمة والإنكسار فيفضلن الصمت، وبالتالي يستغرق الأمر وقتاً طويلاً"... ويضيف: "اعتدنا أن لا نصدق كل ما تقوله الفتاة فى أولى الجلسات، حتى تشعر بالأمان والرغبة فى البوح بحقيقة ما حدث لها بحرية ودون ضغوطات، وللأسف هناك حالات كثيرة نجد فيها أن الأسر تحتاج لتاهيل نفسي أكثر من الفتيات المغتصبات، ونحاول بشتى الطرق إيجاد الحلول لدعم الفتيات ومساعدتهن على تخطي الأزمة".

لا لمحترفات البغاء أو المسجلات آداب
ويشير محمود الشيخ مدير الفروع بجمعية قرية الأمل إلى وجود شروط للإلتحاق بالجمعية، قائلا: "الجمعية لديها نظام خاص لاختيار الفتيات وإقامتهن فيه، فنحن لا نقبل كل الحالات بالضرورة أو بشكل عشوائي، ولكن نقوم بدراسة الحالة للتعرف على ظروف الإغتصاب والمعيشة، فنرفض من تحترف (البغاء) و(المسجلات آداب)، ونقوم ببحث حالة كل فتاة اجتماعياً ونفسياً وقانونياً، حيث أن طبيعة مشروعنا تقوم على تغيير فكرة المجتمع ونظرته القاسية لفتيات الشوارع وخاصة المغتصبات".