مثقفون مصريون: وعي المصريين يضمن لهم حريتهم، وزمن تكميم الأفواه ولّى إلى غير رجعة

الحريات العامة والمدنية في مصر بين الخوف والرجاء

محسن حسن - القاهرة
صور وفيديو

لأكثر من ستين عاماً ظل المواطن المصري يعاني من تراجع الحريات المدنية في الدولة المصرية تراجعاً لم يسبق له مثيل منذ الحكم الإقطاعي والملكي قبل ثورة يوليو 1952. واليوم وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، يتطلع المصريون إلى المزيد من الحريات الشخصية والمدنية تحت مظلة الدولة المدنية ودولة العدل والقانون. ولكن يبدو أن هذا التطلع قد لا يترجم واقعاً حياً إلا بعد حين من حكم الرئيس الجديد "محمد مرسي" ذي الميول الإخوانية ، فالعديد من دوائر ومؤسسات الثقافة والسياسة في مصر، تشكك في إمكانية تحقيق آمال الحرية المدنية التي يتطلع لها الشعب المصري في ظل سيطرة حزب الإخوان، مقابل آخرين يؤكدون أن مصر في طريقها لتحقيق أكبر نموذج عربي ودولي للحريات المدنية والقانونية في تاريخها، معتبرين أن ما تمر به الدولة ما هو إلا المخاض الذي يسبق مولد الحريات. "عربيات" استطلعت آراء مثقفين مصريين حول الواقع والمأمول على صعيد الحريات.

 

مؤشرات سلطوية تواجه مدنية إجبارية

صرحت الكاتبة والصحفية سلوى بكر لـ "عربيات"  بأن مناخ الحريات المدنية في مصر يشي بمؤشرين؛ أحدهما إيجابي والآخر سلبي، موضحة أن المؤشر الإيجابي يتمثل في تنامي الوعي السياسي والاجتماعي لدى المصريين الشعبيين وكذلك لدى القوى السياسية ممن شارك في ثورة 25 يناير؛ حيث أصبح الجميع في مصر حريصاً على انتزاع الحريات المدنية الإيجابية بشكل إجباري من القائمين على السلطة الحاكمة سواء كانت هذه الحريات تخص حرية التظاهر أو حرية التعبير عن الرأى إلى غير ذلك من الحقوق التي تفرضها القوة المحتجة. وأما المؤشر السلبي ـ كما تعبر عنه بكرـ فإنه يتمثل في قيام حزب الإخوان بمحاولات للتضييق على الحريات العامة في مصر، وهو ما يتضح في تدخل مجلس الشورى المصري في اختيار رؤساء الصحف القومية، وكذلك الزج ببعض الصحفيين أمثال عادل حمودة في صحيفة الفجر وغيره إلى السجن بدعوى إهانة الرئيس مرسي وكذلك ما حدث مع الصحفية عبلة الرويني في جريدة أخبار الأدب، حيث تسيطر مؤشرات سلطوية لتكميم الأفواه.  

وعن حالة الخلط بين حرية الرأى وإساءته أكدت سلوى بكر أنه أمر صحي من المتوقع حدوثه بعد كل ثورة مماثلة لثورة المصريين. 

 

الخلط بين حرية التعبير والتطاول

ومن جهته صرح الأستاذ الدكتور الطاهر مكي ـ أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بالقاهرة ـ لـ "عربيات"  بأن حرية الرأى والتعبير وما يتعلق بها من الحريات المدنية، تعاني من خلط كبير في الأذهان والعقول، خاصة أذهان وعقول أنصاف وأشباه المثقفين الذين لا يجيدون مقارعة الحجة بالحجة بل يجيدون فقط الثرثرة والطعن البذيء في مَن يختلفون معه بالرأى. 

ومن ثم يؤكد مكي أن المصريين بحاجة ماسة لزيادة الوعي الشعبي ثقافياً وذوقياً، وأنهم في ذات الوقت يحتاجون لإعلاء شأن القانون وجعله هو الفيصل في الحكم بينهم، شريطة أن يلتزم الجميع باحترام الآخر إذا ما اختلف معه؛ إذ تعاني البيئة الثقافية المصرية من أناس لا يجيدون سوى السباب والشتائم في كتاباتهم معتبرين ذلك حرية رأى وتعبير وهو ما لايتفق أبداً ومباديء الرأى المستنير القائم على البرهان العقلي والفكري. 

وتوقع الطاهر مكي المزيد من التطور في الحريات العامة في مصر مع استقرار حال الدولة وظهور معطيات الرخاء الاقتصادي والبحث العلمي. 

 

الإبداع لا يمكن مقارعته بلغة الرصاص

أما الشاعرة والروائية المصرية الدكتورة سهير المصادفة فإنها تتعجب من حالة التضييق المتعمدة التي يحاول السلفيون والإخوان فرضها على المبدعين والكتاب بالقوة، معربة عن خشيتها من أن تنقطع حالة الحوار بين جميع الأطراف في مصر بفعل المصادرة والتلاسن الكلامي المتبادل، وموضحة أن ما يحدث في مصر الآن من تضييق على حرية الإبداع وعلى الحريات المدنية والعامة، لم يكن يحدث في عصور الازدهار الإسلامي والديني قديماً؛ حيث كانت العقول تستوعب الآراء والقراءات الخارجة عن نطاق المألوف اللفظي أو الأخلاقي، وهو ما حدث مع كتب مثل "طوق الحمامة" لابن حزم، و "ألف ليلة وليلة" وغيرها من الكتب، في حين أن بعض المتدينين في الوقت الحالي يعجزون عن استيعاب ما هو أقل وطأة من هذا؛ فيصفون كتابات نجيب محفوظ بأنها تشجع على الابتذال، ويعتبرون فنون النحت والتشكيل رجساً من عمل الشيطان، ومن ثم فهم يضيقون على المبدعين، ناهيك عن دعاوى أخرى من شأنها إشاعة حالة من الخوف والفزع في الشارع المصري كما هي الحال مع دعاوى إنشاء جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى غير ذلك من دعوات التضييق على الحريات العامة. وتؤكد المصادفة كلام أن لغة الرصاص لا ولن تصلح أبداً لمواجهة لغة الكتابة والإبداع. 

 

التفاؤل بالجيل الصاعد

وحول وضع الحريات المدنية والعقلية الفكرية في مصر، صرحت الدكتورة نوال السعداوي لـ "عربيات" بأن العقل المنفتح هو أساس الإبداع والرقي وتقدم الدول وازدهارها، وأن أكبر معوق لتقدم البشر هو ما تنتهجه بعض التيارات الدينية في مصر من فكر يقيني يقنع بالقريب السهل من الأمور ويستسلم لمعطيات الأفق الضيق. 

وتبدي السعداوي تفاؤلها بشأن مستقبل الجيل الصاعد من الشباب المصري الحريص على انتزاع حقه في الحياة وحقه في التعبير عن رأيه واحتلال مكانه اللائق به في المجتمع، معتبرة أن الأيديولوجية الدينية لدى التيارات الحاكمة في مصر لن تستطيع ممارسة ما كان يمارسه النظام السابق من كبت الحريات وتهميش المثقفين بعيداً عن الجماهير، كما تؤكد على أهمية أن يحرص المصريون على حقوقهم القانونية وتحقيق حياة حرة كريمة لهم ولأبنائهم تقوم على العدل والمساواة بين الجميع حتى بين أفراد الأسرة الواحدة وبين الرجل والمرأة كذلك، وهو ما تتوقع حدوثه خلال المرحلة القادمة رغم الجدل القائم حالياً حول تحجيم الحريات المدنية وحريات الرأى والتعبير . 

أنت حر ما لم تضر 

ومن جانبه أبدى عضو اتحاد المؤرخين العرب وأستاذ كرسي الحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة الدكتور مجاهد توفيق الجندي لـ "عربيات" تعجبه من شريحة أشباه المثقفين في مصر ممن يريدون الحصول على حريات مطلقة عن القيد والشرط في كل شيء في الحياة، وهو ما لا يتفق في رأيه مع الفطرة السليمة والمجتمعات الشرقية المحافظة، معتبراً أن كل إنسان حر فيما يكتب ويبدع ويفعل، لكن حريته يجب أن تكون مشروطة بألا يضر بالآخرين كتابة وأبداعاً وفعلاً، وإلا لتحول التعبير عن الرأى من مساره السلمي إلى مساره العنيف المدمر تحت مسمى "حرية التعبير" ومسمى "الحريات المدنية".

ويستشهد الجندي بالمثل القائل "أنت حر ما لم تضر" مشيراً إلى أن الجدل القائم بين أوساط المثقفين في مصر حول الحريات العامة وحريات التعبير هو جدل مبالغ فيه، مستدلاً بأن دور السينما تقوم بعملها والقنوات الفضائية تبث برامجها بحرية كاملة، وأن حتى من يقوم بالتطاول على الرئيس فيها يتم إمهاله فرصة واثنين وثلاثة، بالإضافة إلى أن شهر رمضان الماضي شهد بث العديد من المسلسلات الدينية التي جسدت شخصيات الصحابة دون أن يصادر منها مسلسل واحد، وكل هذا يدل على حالة انفتاح على الحريات العامة لا على مصادرتها أو التضييق عليها.