مطالبات برفع العقوبات الزجرية فيما يتعلق بالجرائم الأخلاقية

التحرش الجنسي بالأطفال، جريمة تتطلب معاقبة الجناة

المكتب الرئيسي-جدة، أحمد الجمال - القاهرة، خديجة الفتحي - المغرب
صور وفيديو

التحرش الجنسي بالأطفال ظاهرة خطيرة بدأت تجتاح عالمنا العربي بلا خجل أو استحياء. تقتل البراءة في الصغار وتغتال بلا رحمة ابتسامات الطفولة الجميلة. لتصبح دموع الصغار في مواجهة مأساوية صعبة مع أنياب الذئاب البشرية.
الأسباب تعددت هنا وهناك في الأماكن العامة والخاصة وحتى أماكن العمل التي قد يتواجد فيها الأطفال.. والأخطر أن معدلات التحرش بالصغار ترتفع بين الأقارب فلا عجب في أن يكون المتحرش هو الأب أو الأخ الأكبر أو الخال أو العم أو زوج الأم.. إلى آخر العلاقات الممنوعة التي تدخل في إطار ما يُعرف بـ"زنا المحارم". وبين الحين والآخر تطالعنا الصحف اليومية بجريمة دنيئة من هذا النوع ويسقط على أثرها عشرات الضحايا من الأطفال تنتهي حياتهم بالكبت النفسي والخوف بالبوح وربما يكون المصير الأخير في العيادات ومستشفيات الأمراض النفسية، بينما يظل المجرم حراً طليقاً ينتقل من فريسة إلى أخرى دون عقاب ولا رادع، وفي المقابل يقف الأهل مكتوفي الأيدي لا حول لهم ولا قوة، إذ كيف يلجأون إلى الشرطة لرد حقوق أبنائهم الصغار، فالصمت أحياناً يكون هو الحل الأمثل خوفاً من الفضيحة والعار، إلا أن علماء النفس والاجتماع وخبراء القانون يرون ضرورة فتح هذا الملف المسكوت عنه في عالمنا العربي، انطلاقاً من مبدأ "خير وسيلة للدفاع هي الهجوم وكشف المستور". هذا الملف محاولة لإعلاء الصوت المكتوم، وصرخة مدوية في وجه كل منظمات حقوق الإنسان ورعاية الطفولة التي لم تحقق حتى الآن نجاحات تذكر في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة والقضاء عليها تماماً.

أعراض ومؤشرات

يتم الكشف عادة عن هذه جرائم الإعتداء أو التحرش عندما يخبر عنها الطفل، أو بوجود مؤشرات فيزيائية مثل عدم قدرته على السير أو الجلوس بشكل طبيعي، أو وجود آثار دماء على الملابس الداخلية، أو إصابات في الأعضاء التناسلية. أما من الأعراض التي تصيب الطفل فهي اضطرابات النوم والشهية للطعام، التبول اللاإرادي، إفراط في البكاء والحزن، العزلة عن الأهل والأصدقاء.


 مطالبة بقانون صارم لردع الجرائم الأخلاقية


الدكتور محمد الدحيم مستشار قانوني وقاضي سابق يعلق على هذه الظاهرة بقوله: "يخضع الحكم الشرعي الذي يصدره القضاء لنتائج التحقيق واعترافات المتهم، لأن الاعتراف هو سيد الأدلة، وفي حالات الاعتداء على الأطفال من الممكن أن يتعرض المتهم لعقوبتين مشتركة (عقوبة حد، وعقوبة تعزيرية) أما العقوبة الحدية فهي واضحة في الشرع بنص صريح، وأما العقوبة التعزيرية فترجع لاجتهادات القضاء وملابسات القضية، وإن كان المتهم متزوج واغتصب فمن الممكن أن يكون العقاب عقاب الزاني أو عقاب الحرابة وفق ملابسات القضية".  وأضاف: "أتطلع أن يتم تشريع قانون للأخلاق، وأن يكون هذا القانون صارم لهذه القضايا ولما دونها، كي يحمي الناس، فيتقدم على أثره كل من يتعرض لسوء فيما يتعلق بمجال الآداب وبموجب هذا القانون ببلاغ للقضاء والجهات المعنية لمجازاة الجاني".

حرمان الشباب من الممارسات السياسية والاجتماعية يدفعهم إلى الانحرافات


ويؤكد جورج إسحق (نائب المنسق العام لحركة "كفاية" المعارضة بمصر) أن التحرشات الجنسية التي بدأت تزداد في الآونة الأخيرة مقترنة بالفوضى في الشارعين المصري والعربي, كما ترتبط بضعف الأداء الأمني لرجال الشرطة فالساحة خالية لمن يريد أن يتحرش أو أن يسرق، كما تعود الظاهرة للخطاب الديني "المهووس" -على حد قوله- بالأمور الجنسية. مشيراً إلى أن الشباب لابد أن يفرغ طاقاته في الأشياء التي منع من ممارستها كالعمل السياسي داخل الجامعة أو العمل الاجتماعي والتطوعي، معتبراً أن نتيجة افتقاد الممارسات المشروعة لتفريغ طاقات الشباب في العديد من الدول العربية لا يجد الشاب أمامه سوى النزول إلى الشارع وممارسة الأفعال المشينة كالتحرش بمختلف أشكاله, ومؤكداً على أن الشباب فقد النموذج والقدوة التي يحتذي بها.


ضعف الوازع الديني وراء الجرائم الأخلاقية


من جانبه ربط الدكتور عبدالجبار الجاي أستاذ السنة وعلومها بجامعة الرباط وعضو المجلس العلمي لنفس المدينة في حديث خص به"عربيات" تنامي الظاهرة بضعف القوانين، مطالبا بالاستناد إلى الشريعة الإسلامية في صياغتها, وأضاف إلى هذا العامل ضعف الوازع الديني وتقليص دور الزوايا التي كانت تسهم بشكل كبير في التربية الإسلامية الصحيحة، مستدلا بالحديث الشريف " ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ".

قراءة لنفسية الجاني


الشخص الذي يمارس فعل التحرش بالآخرين غالباً يكون من أولئك الذين سبق وتعرضوا هم أيضاً لأنواع مختلفة من التحرش في صغرهم، الأمر الذي يدفعهم لإرتكاب نفس الفعل، هذا ما تؤكده الدكتورة ماجدة عامر - خبيرة العلاقات الأسرية وشؤون الأطفال- حيث تقول: "يجب البحث في المشكلة من جذورها الأولى للوصول إلى أسبابها الواضحة التراكمية، فالشخص الذي يتعرض للتحرش في الصغر يكره المجتمع ويحاول الانتقام في المستقبل بتكرار الفعل نفسه مع أطفال صغار وهكذا تصبح لدينا دائرة غير منتهية من الأمراض النفسية والاجتماعية التي تتوغل في المجتمع وتصيبه بالعوار، وتواجد الطفل وحدة بعيداً عن رقابة الأهل أو في مكان منفرداً يشجع المتحرش على النيل من فريسته لتهيؤ الظروف لهذا الفعل وقد يحدث ذلك بالتهديد أو بإتباع أسلوب الإغواء حتى تسقط الفريسة في شراك المتحرش بسهولة، لذا على الأسرة أن تتفاعل مع الطفل وتفتح أبواب التصارح والتفاهم معه حتى لا يقع في هذه المشكلات، وفي حالة إذا حدث ذلك يجب أن تلاحظ الأم أي تغير في سلوك طفلها أو طفلتها وتحاول أن تعرف السبب وتلح في ذلك وتمنح الطفل الأمان لتخلصه من خوفه وقلقه ومن هنا يبدأ القرار الصحيح بالتوجه إلى قسم الشرطة وتحرير محضر بالواقعة حتى ينال المتحرش عقابه الذي يجب أن يكون رادعاً لاجتثاث هذه الجراثيم من المجتمع ويجب أيضاً أن يكون العقاب علنياً بحيث ينشر اسم المتحرش في الصحف ووسائل الإعلام حتى يكون عبرة لمن يعتبر.
وبوجه عام فإن الطفل الذي يحين الفرص التي يغيب فيها أبوه وأمه ليفعل أو يفعل به مثل هذه الأمور هو طفل لا يتمتع بعلاقة قوية مع والديه، لذا أؤكد على أن خلق حالة من الصداقة بين الطفل ووالديه تساعد في شعوره بالأمان والطمأنينة بما يحميه ويجنبه الوقوع في مشكلات من هذا النوع وبالتالي لا تكون هناك أسرار بين الطفل وأبويه من أي نوع، فالثقة المتبادلة هي التي تحكم العلاقة بين الطرفين".
وتضيف عامر: "ثمة ضرورة لربط أطفالنا بالأنشطة الرياضية والهوايات المختلفة التي تبني قدراتهم العقلية والثقافية وتمنعهم من الاندماج في جماعات وشلل وصداقات سيئة السمعة، فالقراءة مثلاً تساعد الطفل على توسيع مداركه ومعارفه وتجعله أكثر جرأة في مواجهة المواقف الصعبة كالتي قد يتعرض عليها في حالات التحرش الجنسي".

 

قراءة لنفسية الأطفال


ويعلق استشاري العلاج النفسي الدكتور محمد أيمن عرقسوسي، وعضو فريق الحماية بوزارة الصحة عن تأهيل الأطفال الذين تعرضوا للاغتصاب والتحرش الجنسي بقوله: "في العادة حينما يتعرض شخص ما لاغتصاب أو عنف يصاب بعُصَاب ما بعد الصدمة، ويتأثر علاجه بعدة عوامل، كالسن وطبيعة علاقة المعتدى عليه بالشخص المعتدِي، والدعم الأسري الذي يجده الشخص من أسرته بعد العنف الذي حدث له، وفي حال الأطفال سيؤثر العنف على  بناء شخصيتهم ونموهم وأسلوب تعاملهم مع الآخرين وتعاملاتهم المستقبلية، وبناء على ذلك لا بد أن يتعرض الطفل الذي تعرض للإعتداء  إلى تقييم شامل لمعرفة مدى تأثره، وبعد التقييم ودراسة الحالة نضع خطة علاجية شاملة وتأهيلية له ولأسرته، وبشكل عام يحتاج الطفل لدعم أسرته، ويتطلب ذلك أن يتعلم الطفل  عدد من المهارات التي من خلالها يستطيع التعامل مع الصدمة، كما يستطيع الدفاع عن نفسه كي يشعر بالأمان، فالإنسان بشكل عام إن لم يشعر بالأمن والأمان سيصاب باالقلق والتوتر والعُصَاب".


التحرش يدفع الطفل إلى عالم  الخوف وفقدان الثقة بالآخرين


وعن المقصود بالتحرش الجنسي يقول الدكتور محمد خطاب -أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس- : "التحرش الجنسي بالأطفال مشكلة كبرى تواجه عالمنا العربي وقد استفحلت خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، ويقصد بالتحرش الجنسي كل إثارة جنسية يتعرض لها الطفل من آخرين سواء بالفعل أو القول كالتلامس الجسدي معه، أو تعريضه لمشاهد (صور أو أفلام ) جنسية،  أو دفعه إلى ملامسة أعضاء المتحرش الجنسية،  أو حتى ممارسة الجنس بشكله الكامل معه سواء في صورته الطبيعية المعروفة أو الشاذة، وعموماً هذه  مسببات تدفع الطفل إلى عالم من الخوف والرعب وتؤثر على حالته النفسية سلباً وتفقده الثقة بالكبار المحيطين به، وأحياناً يخشى الطفل أن يصرح بما تعرض له لأهله أو والديه خوفاً من العقاب فيصبح تائهاً متوتراً شارد الذهن دائماً،  ويصاب بالفزع لأبسط الأسباب،  ويتجنب تجمعات أقرانه من الصغار، وقد تنتابه كوابيس مفزعة أثناء النوم، وربما ينتهي به الحال في إحدى غرف المستشفيات النفسية".

 

العلاج يبدأ بتحقيق العدالة ومعاقبة الجاني

ويوضح خطاب: "قد يتعرض الطفل أو الطفلة للتحرش في أي سن، وقد يحدث ذلك معه في سن مبكرة جداً ربما أقل من عام، خصوصاً إذا سنحت الفرصة وتواجد المتحرش مع الطفل في مكان وحدهما دون وجود رقابة من الوالدين، وقد يكون المتحرش هو السائق أو الخادمة أو حارس العقار أو أي شخص قد لا نشك في سلوكياته مطلقاً، وتلك حقيقة تؤكدها الحالات التي تعرضت للتحرش الجنسي من واقع ملفات العيادات النفسية، ومن هنا يجب ألا تغيب عين الأهل عن الطفل، فالملاحظة عن قرب مطلوبة وضرورية، كما من المهم توجيه نصائح للطفل في هذا السياق، كأن نقول له مثلاً: (لا تذهب مع أي شخص في أي مكان دون أن تعلمنا بذلك)، أو: (لا تصادق الغرباء)، ونصحه دائماً: (إذا شعرت بخطر ما،  أو حاول أحدهم مضايقتك عليك أن تصرخ وتطلب العون والمساعدة من المارة في الشارع أو الركاب في المواصلات العامة).
ومن المهم أيضاً أن يعتاد أبنائنا على المصارحة بفتح مجالات الحوار معهم، وبأن نعاملهم كأصدقاء لنا فإذا وقع أحدهم في مشكلة صعبة من هذا النوع تصبح لديه الجرأة على كشفها ليسهل الوصول إلى الجاني والقصاص منه قضائياً، فأول خطوة في العلاج النفسي للطفل المتحرش به تكمن في رؤيته للمجرم وقد وقعت عليه العقوبة الرادعة، علاوة على وجود أساليب أخرى مهمة لإعادة تأهيل الطفل الذي وقع في براثن التحرش،  وإعادة دمجه مرة أخرى في المحيط الاجتماعي واستعادة ثقته بنفسه، وقد يفيد في ذلك العلاج بالسيكودراما والعلاج الفردي والجماعي".


غرفة الألعاب لتقييم الضرر النفسي الواقع على الطفل

وعن التقييم الشامل للطفل يقول الدكتور محمد عرقسوسي: "يعتمد ذلك على الطفل وعمره وبشكل عام إذا كانت هناك صعوبة في دراسة الحالة من خلال الطفل خاصة مع الأطفال المتحفظين مع الغرباء يتم الاستعانة بغرفة العلاج عن طريق الألعاب أو التشخيص عن طريق اللعب كي يتخلص الطفل من تحفظه، بحيث يدخل غرفة بها ألعاب تشخيصية وبعد أن يهدأ ويتجاوب معها يقوم المعالج بالتشخيص وذلك عن طريق الملاحظة وسؤاله عن أشياء محددة ومن خلال ردة فعله يتم دراسة الحالة، وعن طريق الملاحظة الإكلينيكية والاختبارات النفسية الموجودة يتم وضع الخطة العلاجية، ومنها نستطيع تحديد عمق الجرح النفسي الذي وقع على الطفل وطبيعته، للوصول إلى أسرع طرق العلاج، ولا أخفي بالطبع أن أثار هذا الأمر ستظل باقية في نفس الطفل وبالعلاج يتم تأهيله لمواجهة الحياة في المستقبل، ويتعلم كيف يدافع عن نفسه وعن غيره أيضاً، وهذه الآثار المتبقية لو تم علاجها بالشكل الصحيح لن يلاحظها مستقبلاً  إلا المتخصص".


الخطة العلاجية ودور الأسرة


ويضيف عرقسوسي حول الخطة العلاجية: "الخطة العلاجية لطفل تعرض للاغتصاب تختلف من طفل لطفل وحسب الحالة وتأثر الطفل وعمره، وتختلف أيضا باختلاف الدعم الذي يجده من أفراد أسرته، وقوة الصدمة التي تعرض لها، فالطفل الذي تعرض لعنف من أحد أفراد أسرته سيحتاج لخطة علاجية أطول كون المُهدد قريب من الطفل، أما في حال كان المُعنِف من خارج إطار الأسرة وبعيد تكون استجابة الطفل أكبر والتغلب على المشكلة أسرع".
وعن حاجة الطفل الذي تعرض لاعتداء إلى تناول العقاقير في مرحلة العلاج يوضح: "في مرحلة الطفولة لا نحبذ استخدام العقاقير في العلاج إلا في الحالات المتأخرة، وفي الغالب يتم عمل جلسات علاج نفسي للطفل، ومهما كانت هذه الجلسات طويلة إلا إنها مفيدة إذا كانت تحت إشراف متخصص، وتتدخل أحيانا الأسرة في بعض الجلسات، وفي بعض الأحيان يحتاج لعلاج أسري كامل لتهيئة الجو المناسب للطفل كي تتحسن صحته النفسية".

توفير العلاج المجاني للمُعنَفِين


من جانبه دعا الدكتور محسن بن يشو طبيب نفسي وأخصائي الاضطرابات الجنسية إلى حماية الأطفال على المستوى الاجتماعي والنفسي، وذلك بتوفير المتابعة والعلاج لضحايا الاعتداء الجنسي على نفقة الدولة خاصة للأطفال المنحدرين من عائلات فقيرة، مضيفاً: "لا بد أن يتم التعاطي مع الظاهرة بشجاعة ودون تكتم، وبجميع أشكالها التي تتمثل غالباً في ثلاث مراحل، أولها عرض صور إباحية على الأطفال، وثانيها لمس الأعضاء الحساسة، وأخرها وأعنفها الاغتصاب".

علموا أولادكم إثبات الذات


وحول دور الأسرة يقول الدكتور محمد عرقسوسي: "أتمنى أن تبتعد الأسرة عن تعنيف الضحية لأنها بذلك لا تعالجه بقدر ما تزيد من جراحه، وأتطلع أن يُعلِم الآباء والأمهات أبنائهم إثبات الذات الذي يعني أن يتحدث بحرية وصوت عالي عن كل شيء يحدث معه، وأن تقترب الأسرة من أبنائها بمعنى أن يكونوا أصدقائهم، و آن يشعروهم بالأمان النفسي وأن يكون المنزل هو مصدر السعادة النفسية للإبن كي يتم كشف أي مشكلة من بدايتها، ومن المهم أن يتم تعليم الأطفال الثقافة التربوية والتي أشار لها الإسلام، من حيث  ستر العورة، وكيفية الاهتمام بالنظافة الشخصية، وأن يعرف الطفل كيف يمنع الآخرين من الاقتراب من جسده، وأن يعلم أن هذه الأشياء مرتبطة بكرامته وشخصيته ومستقبله وعليه الدفاع عن نفسه فيها، كما أدعو الأسر إلى أهمية  تبليغ الجهات الرسمية في حال تعرض أحد الأبناء لعنف كون المجرم طليق وكما قام بتهديد سلامة طفل من الممكن أن يكرر ذلك مع أطفال آخرين، فالمجرم مريض ولابد من علاجه ويختلف علاجه وفق القضاء سواء بالسجن أو القتل.. الخ، وهذا لا يتعارض مع خصوصية الطفل التي لا بد أن يحترمها كل من الإعلام والأسرة بحيث لا يتم إعلان اسمه أو صورته".


غياب الثقافة الجنسية بالمناهج الدراسية العربية


هذا ما يؤكده أيضاً الدكتور محمد حسين أبو حديد -استشاري الأمراض الجلدية والتناسلية- فالثقافة الجنسية جزء مهم من ثقافة الطفل التي يجب أن يتعلمها سواء من جانب والديه أو من خلال المراحل الدراسية المختلفة وبدرجات متفاوتة حسب عمر الطفل، ويضيف: "انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بين الأطفال وبعضهم البعض أو من جانب الكبار ضد الأطفال يرجع سببها إلى غياب الثقافة الجنسية في عالمنا العربي الذي ينظر إلى موضوع الجنس من منظور "العيب والحرام" رغم عدم صحة ذلك في الواقع، لأن الطفل حينما يدرك هذه الأمور – بطريقة تناسب تفكيره وعقله – يكون قادراً على التعامل في المواقف الصعبة من هذا النوع مقارنة بغيره من الأطفال الذين يجهلون كل شيء عن عالم الجنس".

 

يجب أن نعلم أبناءنا الفرق بين اللمسة العادية والغير الصحية


وفي هذا الصدد يشير أبو حديد إلى الوسائل التي يمكن  أن يعتمد الأب والأم عليها لتعريف الطفل حقيقة الجنس والأعضاء التناسلية ودورها في الحياة بما لا يصدمهم ولكن بطريقة صحيحة تعينهم على إدراك الأمور فيجب أن نُعلم الطفل الفرق بين اللمسة العادية واللمسة الغير صحية، وأن يعرف جيداً أن لأعضاء جسمه ومن بينها أعضائه التناسلية خصوصية فلا يجب أن يسمح لأحد بالتدخل بأي شكل في خصوصياته، ونوضح له أن بعض الأجزاء من الجسم ليس من اللائق إظهارها أمام الغير وأنه أصبح  الآن كبيراً وليس طفلاً صغيراً حتى يتعرى أو يكشف جزء من جسمه أمام الغير.

تسييد الثقافة الجنسية ورفع العقوبات الزجرية


من جانبها تقترح نجية أديب - رئيسة جمعية (لا تلمس أولادي) بالمغرب - مجموعة من الحلول لمواجهة تنامي الظاهرة، بالتأكيد على رفع العقوبات الزجرية ضد المعتدين وفضحهم ليكونوا عبرة للآخرين، وباعتماد التربية الجنسية في المقررات المدرسية وتسييد الثقافة الجنسية داخل الأسر وفق مقاربات دينية وتربوية وثقافية يساهم الإعلام في إشاعتها والتوعية بها.

ليكون الشارع آمناً للجميع


"فيلم مهم جداً" هو عنوان الفيلم الكارتوني الذي أعده المركز المصري لحقوق المرأة مع انتشار ظاهرة التحرش بالأطفال في مصر والعالم العربي قبل سنوات ويعد هذا الفيلم الأول من نوعه بتقنية الأبعاد الثلاثية ( الـ3D )، وقد لاقى قبولاً واسعاً واستحساناً لفكرته التي تروج إلى تنبيه  الصغار من التحرش الجنسي،  ويعلمهم كيفية التصرف فور تعرضهم لمحاولات شاذة من هذا النوع. وقالت السيدة نهاد أبو القمصان مديرة المركز: "قمنا بإعداد هذا الفيلم قبل عدة سنوات في إطار حملة تبناها المركز المصري لحقوق المرأة لتجريم التحرش الجنسي سواء بالمرأة أو الأطفال الذكور والإناث وكانت هذه الحملة بعنوان (شارع آمن للجميع). قبلها بدأنا خطة عمل مكثفة لاختيار أفضل الأفكار المناسبة للفيلم من خلال شكل الصورة الكارتونية التي تجذب الطفل،  والسيناريو المناسب الذي يصل إلى الصغار دون تعقيد،  وفي الوقت ذاته بطريقة محترمه لا تخدش الحياء وبأسلوب توعوي ذكي يمكن الطفل/ الطفلة من التصرف في مثل هذه المواقف الصعبة، بحيث يستطيع إدراك الفرق بين اللمسة العادية واللمسة الخبيثة التي تعني (التحرش)" .
وتؤكد أبو القمصان أهمية عرض هذا الفيلم على الأطفال في المدارس ضمن المناهج الدراسية لتوعيتهم بالمشكلة ومساعدتهم على التصرف الإيجابي في مثل هذه الحالات بما لا يجعلهم يخافون أو يرهبون من المتحرش بل بما يزيد من ثقتهم بأنفسهم، حيث يتعرفوا على الطريقة التي يمكن من خلالها  أخذ حقهم من المتحرش الجبان، خصوصاً أن الفيلم استغرق فترة دراسة وإعداد نحو عام كامل وقامت لجنة متخصصة من الأطباء وخبراء علم النفس والتربية باختيار السيناريو الأنسب للفيلم من بين عدد كبير من السيناريوهات التي تلقاها المركز ضمن مسابقة تم الإعلان عنها قبل بدء تنفيذ الفيلم بفترة كافية، كما تم التركيز على بعض الأمور والعبارات بعينها من واقع حكايات لأطفال تعرضوا للتحرش وتم رصدها على مدار سنوات في المركز، وقد تم اختيار الكلمات المناسبة والعبارات الإيحائية المعبرة عن المشكلة من خلال 10 دقائق هي مده عرض الفيلم الذي يجسد تجربة أب وابنته "سلمى" عمرها 7 سنوات وينشأ حديث بينهما يقدم فيه الأب النصيحة بشكل صحيح وعلمي لابنته لتعرف الفرق بين أن يلمس جسدها شخص بطريقة حانية وآخر يتعامل بشكل غير صحي أو صحيح في الأماكن المختلفة التي يمكن أن يتواجد فيها أطفالنا مثل الشارع أو المتجر.
وبوجه عام فإن ظاهرة التحرش الجنسي تشكو منها المرأة والأطفال على حد سواء في جميع الدول العربية تقريباً،  سواء في أماكن العمل أو في الشوارع والميادين العامة أو وسائل المواصلات المختلفة، وينادي المتخصصون في حقوق الإنسان بضرورة تطوير القوانين الخاصة بمواجهة التحرش في الدول العربية، حتى تكون مناسبة بدرجة أكبر للظاهرة التي بدأت تستفحل بشكل ملحوظ في عالمنا العربي، فالملاحظ أنه لايوجد تشريع محدد وواضح فيما يتعلق بمسألة التحرش الجنسي بالنساء أو الأطفال، إذ غالباً تكون التشريعات المتاحة في هذا السياق تدور حول انتهاك الآداب والإخلال العلني بالحياء أو هتك العرض أو الاغتصاب بينما التحرش الجنسي يغيب من النصوص التشريعية الواضحة.

إتيكيت خاص لمنع التحرش الجنسي

 خبراء الإتيكيت والبروتوكول دخلوا على خط الأزمة التي تعاني منها الدول العربية كافة في السنوات الأخيرة، مما يؤكد ضرورة تكاتف كل الجهات والمستويات لمواجهة هذه المشكلة الأخلاقية الكبرى والقضاء عليها سريعاً قبل تفشيها في أرجاء مجتمعاتنا العربية أكثر من ذلك.
من هذا المنطلق التقت "عربيات" الدكتور سيد حسن السيد -الخبير الدولي للإتيكيت وآداب السلوك الإسلامي- الذي وضع خطوطاً وإرشادات عريضة لإتيكيت يفيد في منع التحرش الجنسي. فظاهرة التحرش الجنسي بمختلف أشكاله سواء كان لفظياً أو جسدياً نتيجة طبيعية لحدوث الانفلات السلوكي الذي يُعد من الظواهر الخطيرة التي تهدد المجتمعات، ولمعرفة أسباب تفشي تلك الظاهرة وكيفية التصدي لها وسبل الوقاية تحدث يقول سيد: "السبب الرئيس هو الانفلات السلوكي نتيجة تدهور الأخلاق حيث إن تدهور الأخلاق يؤدي إلى تراجع السلوك الإنساني المتحضر ومن أهم العوامل التي تؤدي لتدهور الأخلاق العامل الثقافي ثم العامل الاجتماعي".


اتيكيت لحماية الأطفال من التحرش الجنسي

ولحماية الأطفال من التحرش الجنسي يقدم الخبير الدولي للإتيكيت الدكتور سيد حسن السيد بعض النصائح السلوكية للآباء والأمهات على النحو التالي:
- ضرورة التأكد من عدم مخالطة أبنائهم لأشخاص منحرفين سلوكياً.
- يجب توعية الأطفال بعدم السماح للغرباء بتقبيلهم أو لمسهم أو اصطحابهم لأي مكان.
- يجب التنبيه على الأطفال في حالة تعرضهم لأي تهديد من أحد الأشخاص أن تتم الاستغاثة بصوت مرتفع مع طلب النجدة من الغير لإنقاذهم.
- يلزم متابعة الأطفال أثناء تواجدهم خارج المنزل مع ضرورة تحذيرهم من السير بمفردهم في الأماكن الخالية من السكان أو في الشوارع المظلمة.
- يجب أن يعتاد الأطفال على مصارحة الوالدين بكل ما يحدث لهم أثناء تعاملهم مع الغير، وكذلك ما يصدر منهم كردود أفعال لتصرفات الآخرين معهم.
- من آداب السلوك الإسلامي ضرورة التفريق بين الأبناء في المضاجع وأثناء الاستحمام، كما يجب تعويدهم على مراعاة غض البصر عن العورات من الصغر.

اتيكيت لوقاية الكبار من مخاطر المراهقة المتأخرة

وفي المقابل يشير خبير الإتيكيت الدولي إلى ضرورة تعلم قواعد الإتيكيت اللازمة لحماية الكبار من مخاطر المراهقة المتأخرة، حيث يقول: "الرغبة في التحرش الجنسي غالباً تظهر خلال مرحلة المراهقة لأنها تتسم بالاندفاع وعدم اكتمال النضج العقلي والاجتماعي والانفعالي، ولكن بعض الأشخاص ممن لا يشبعون مرحلة المراهقة ويتقدم بهم العمر لاسيما بعد سن (55) قد تظهر عليهم أعراض تلك المرحلة التي يطلق عليها مرحلة المراهقة المتأخرة ونتيجة لذلك قد تصدر منهم بعض السلوكيات الخاطئة عندما يتوهمون بأنهم مازالوا شباباً في العشرين من عمرهم، ومن ثم تكون لديهم الرغبة في التحرش الجنسي سواء لفظياً أو جسدياً بالأطفال والفتيات خاصة اللواتي يلازمونهم في مجال العمل عندما تكون الفرصة مهيئة لذلك.
ولوقاية الكبار من مخاطر المراهقة المتأخرة النصائح التالية:-
- في حالة الشعور بالرغبة في التحرش بالفتيات يجب ضبط النفس والتحكم في السلوك حتي يتم إعادة التوازن لتجنب الوقوع في الخطأ الذي يؤدي إلى فقدان احترام وثقة الآخرين.
- من آداب السلوك الأخلاقي مراعاة السن المتقدمة التي يجب أن تتسم بالحكمة ورزانة العقل، فعند الإحساس بالميل للتحرش على سبيل التجريب يلزم ذلك التفكير في النتائج التي تترتب علي ذلك ومنها إساءة السمعة،  وإهدار الكرامة،  فضلاً عن تصدع الكيان الأسري للمتحرشين بالأطفال أو المتحرشين عموماً.
- الانقياد للهوى بإطلاق العنان للشهوات بالتحرش الجنسي له عواقب وخيمة لأنه أحد مظاهر الانحدار السلوكي والتدهور الأخلاقي،  فهو من الآثام والمعاصي لكونه من الأفعال القبيحة والمنكرات التي يحرمها الشرع، وأيضاً  من السلوكيات الخاطئة غير السوية التي يحرمها القانون لأنها منافية للآداب العامة.


ويؤكد الخبير الدولي أن التصدي لمواجهة ظاهرة التحرش الجنسي يتطلب تفعيل القوانين الرادعة للتحرش سواء كان لفظياً أو جسدياً مع ضرورة قيام من يتم التحرش به بالإبلاغ دون حرج حتى يتم توقيع العقوبة على المتحرشين.