شبح العنوسة يهدد 12 مليون شاب وفتاة في مصر

الحرب على العراق تغذي العنوسة في مصر

عربيات: القاهرة - إيهاب سلطان

تأثرت الحياة الاجتماعية في الشارع المصري منذ نشوب الحرب الأميركية البريطانية ضد العراق بعد أن ألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والسياسية إذ أثرت الحرب تأثير مباشر في ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع المصري وأصبحت تغذي ظاهرة العنوسة وتدفعها إلى مستويات خطيرة من شأنها أن تهدد المجتمع بأسره . 

وطبقا لأخر إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فقد تخطا حوالي ثلاثة ملايين وسبعمائة فتاة سن الزواج وبلغن من العمر خمسة وثلاثين عاما بدون زواج واكثر من خمسة ملايين شاب في نفس المرحلة العمرية ولم يتزوجوا . 

وقد توقع خبراء الاجتماع ارتفاع نسبة العنوسة بسبب الحرب الأميركية البريطانية على العراق إذ يتوقعوا أن يصل عدد الشباب الذين لم يتزوجوا إلى 12 مليون شاب وفتاة العام القادم " 2004م " . 

وأرجع الخبراء سبب ارتفاع العنوسة في مصر إلى تدني الاستثمارات الخارجية والركود الاقتصادي الذي أصاب معظم شركات القطاع الخاص مع عودة غالبية العمالة العاملة في الدول العربية خاصة في العراق والكويت ودول الخليج العربي والذي سيساهم بصورة كبيرة في ارتفاع معدلات البطالة وبالتالي تؤثر سلبا على معدلات الزواج في مصر . 

وقد ظهرت بوادر كارثة ضرب العراق على الشارع المصري بداية من ارتفاع أسعار كافة المنتجات الاستهلاكية والكساد التسويقي لبعض الشركات الصناعية الأمر الذي دفع غالبية الشركات إلى تخفيض حجم العمالة لمواجهة الكساد والحد من خسائرها كما أدت الحرب إلى انخفاض قيمة الجنية في مقابل العملات الأجنبية وارتفاع أسعار الذهب مما أدى إلى فشل العديد من الشباب في الوفاء بالتزاماته نحو تكوين أسرة صغيرة والخروج من شبح العنوسة . وقد التقت " عربيات " ببعض الفتيات والشباب الذين اضطروا لفسخ خطبتهم والعدول عن فكرة بناء أسرة صغيرة بسبب تداعيات الحرب الأميركية البريطانية على العراق وتأثيرها السلبي على أسعار الذهب والمنتجات الاستهلاكية خاصة المعمرة وكافة التجهيزات الخاصة ببناء مسكن صغير . 

 

آراء

 حيث تقول " سامية محمد " : (( تمت قراءة الفاتحة منذ عام وتم الاتفاق بين أهلي وأهل خطيبي على الخطوبة والزواج خلال النصف الثاني من شهر مارس على أن يقوم الزوج بإهدائي شبكة متواضعة في حدود ظروفه الاقتصادية بما قيمته " 2500 " جنية " وهي قيمة ثلاث أساور ذهب ودبله وخاتم وعندما اقترب ميعاد الخطبة فشل خطيبي في الوفاء بما اتفق به مع أسرتي بسبب ارتفاع أسعار الذهب .... وقد حاول أهل خطيب اقناع أسرتي بشراء الشبكة في حدود الثمن المحدد لها دون إلزامهم بعدد القطع الذهبية إذ سيوافق الشراء في ظل الأسعار الجديدة اثنين من الأساور بدلا من ثلاثة والتنازل عن الخاتم وهنا غضب  والدي ورفض ذلك وحدثت مشادات كلامية انتهت بفشل الخطوبة )) .

 

 

 

 

بينما تقول " أمل فاروق " طالبة بكلية الآداب : (( تقدم أحد الأقارب لخطبتي وتم الاتفاق على كل شيء و أعلنا الخطبة وكانت الأمور تسير وفق ما تم الاتفاق عليه وكان من المقرر أن يتم الزواج في الصيف القادم إلا أن الحرب أطاحت بأحلامنا )) ... وتضيف أمل : ((  لقد كان خطيبي يعمل محاسب في أحد مصانع الملابس الجاهزة في مصر وقد تم تعليق كافة الاتفاقيات الخاصة بالتصدير منذ بداية الحرب الأمر الذي دفع صاحب المصنع إلى تجميد خطوط الإنتاج وتسريح العمال خوفا من الخسائر ومن وقتها وخطيبي فقد عمله وأصبح عاطلا يخرج من الصباح حتى المساء باحثا عن عمل للوفاء بالأقساط الشهرية التي التزم بها لتجهيز منزل الزوجية بالأثاث أو يستطيع إتمام الزواج )) .

 

 

 

 

أما " ليلى عبد الباقي "  28 عاما فتقول : (( لقد انتظرت قطار الزواج طويلا وكنت أظن أن قطار الزواج قد فاتني حتى دق بابنا أحد الشباب طالبا الزواج مني وكان هذا في منتصف الشهر الماضي وقبل الاتفاق على أي شيء فاجئنا بأنه أحضر الشبكة ويريد الاتفاق على ميعاد الزفاف وقد وافقت أسرتي على شبكته تيسيرا منهم عليه وعدم إظهار تحكماتهم في شراء شبكة بعينها أو إصرارهم على اختياري للشبكة بنفسي وقد أعلنا الخطوبة واتفقنا على إتمام الزفاف في شعر يوليو القادم حتى استعد للزفاف وتجهيز ما أحتاجه )) ..... وتضيف ليلى : (( زارتني إحدى صديقاتي ويعمل زوجها في محل جواهرجي وعندما رأت الشبكة تعجبت من لونها وأصرت على مجاملتي وتلميع الشبكة بمداعبة لطيفة منها بأن الشبكة قد ورثها خطيبي عن جدته واتفقت صديقتي معي على يوم اذهب معها للمحل الذي يعمل فيه زوجها لتلميع الشبكة وقد ذهبت بالفعل لتكون المفاجأة لقد كانت الشبكة مزيفة إذ مصنوعة من النحاس الخفيف ومطلية بماء الذهب وعندما واجهته اعترف بشراء لشبكة المزيفة من أحد التجار هربا من الارتفاع الجنوني للذهب والذي يستحيل معه شراء شبكة تناسبها وقد فضلت الانفصال عنه لأنه كاذب وخائن ولا يؤتمن على حياتي ومستقبلي معه فالعنوسة أفضل من زواج فاشل )).

 

 

 

 

بينما تقول " حياة عبد الغني"  موظفة : (( تقدم لخطبتي أحد زملائي في العمل وقد طالت خطبتنا لمدة عامين بسبب عدم وجود شقة وقد وجدت نفسي إما أقبل الزواج في شقة أسرته أو الانفصال بسبب عجزه عن شراء شقة في ظل الأسعار الجنونية التي لا تناسب إمكانياته مطلقا .وقد اقترح أحد الزملاء على خطيبي بناء شقه في منزلنا هربا من أسعار الشقق المرتفعة وقد وافقت أسرتي على الفكرة وبدأ خطيبي الشروع في بناء الشقة ولكن توقف عن البناء تماما بسبب أسعار الأسمنت والحديد التي قفزت إلى الضعف تقريبا بعد اندلاع الحرب مباشرة وقد أصبحنا في منتصف الطريق ولا نعرف متى تنتهي خطبتنا ونتم الزفاف في ظل الأسعار الجنونية )) .

 

 

 

 

وفي لقائنا مع الشباب قال " علي السيد " 32 عاما : (( الحرب زادت من الأزمة الاقتصادية والكساد وأدت إلى ارتفاع الأسعار وبالتالي باعدت بين الشباب وأحلامهم في الزواج و تكوين أسرة صغيرة وبالنسبة لي فقد قمت بخطبة بنت الجيران وقدمت لها شبكة متواضعة ومن المنتظر إتمام الزفاف في الصيف القادم إنشاء الله بعد رحلة كفاح استمرت ثلاث سنوات بحثا عن شقة متواضعة وتجهيزها وذلك بسبب مرتبي المتواضع حيث أعمل موظف أرشيف في أحد الشركات التجارية )) .   

 

 

أزمة اقتصادية

 ويرى د. أحمد المجدوب الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن هناك الكثير من الظروف التي لعبت دور رئيسي في زيادة معدلات العنوسة في مصر منها ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية كما زاد من ذلك الحرب الدائرة حاليا في العراق والتي خيمت بظلالها على الشارع المصري وأسفرت عن أزمة اقتصادية حادة وارتفاع جنوني في الأسعار .ويضيف " د. المجدوب " أن من أسباب العنوسة المتزايدة في مصر على سبيل المثال لا الحصر إقبال الإناث على التعليم الجامعي والذي تنتهي مراحله عندما تبلغ الفتاة من العمر 21 عاما وانتظار الفتاة لفرصة عمل طويلا في ظل الظروف الاقتصادية الحالية مما يجعلها تعاني من شبح العنوسة . كما أن الظروف الاقتصادية للأسر المصرية واضطرارها للإنفاق على أبنائهم في المراحل التعليمية المختلفة جعلتهم عاجزين عن مساعدتهم في إتمام الزواج كما كان يحدث في الماضي فقد تراجعت مدخرات معظم الأسر المصرية بسبب ارتفاع تكاليف الحياة مع انخفاض الأجور وارتفاع معدلات البطالة وفي بعض الأحيان أصبحت البنت مسئولة في كثير من الأحوال عن تجهيز نفسها للزواج . كما أثرت الحرب تأثير سلبي على الشارع المصري إذ أغلقت بعض المصانع أبوابها بسبب الكساد ووقف التصدير كما ارتفعت نسبة البطالة فمازال الشباب مطالبين بشراء شقة الزوجية وتجهيزها وشراء شبكة ودفع المهور وتحمل تكاليف الزفاف كل هذا جعلهم عاجزون عن الوفاء بالتزامات الزواج وباعد بينهم وبين الارتباط والاستقرار . 

 

الإعلام العربي وصورة فتى الأحلام

 وألمح " د. المجدوب " إلى التأثير السلبي للإعلام الذي يصر على تقديم الخطيب في صورة مغايرة للواقع فنجده في العديد من الأعمال الدرامية رجل أعمال ومتيسر وأنيق ووسيم وكل ذلك انعكس على الفتيات اللاتي يرسمن صورة خاصة بفارس الأحلام لا تتوافر في كثير من شباب اليوم فقد دفعهن الإعلام بطريقة غير مباشرة إلى الدلال والامتناع وحتمية فرض شروط خاصة في زوج المستقبل دون أن تدرك أن العمر يمضي عليها حتى تستيقظ وهي بداخل قطار العنوسة . كما تتبارى الأعمال التليفزيونية في تقديم نماذج من الزواج الفاشل بسبب إصرار الزوجة على أنها صاحبة الكلمة في المنزل و لها حياتها الخاصة وخصوصيتها بصورة مستفزة مما يساعد على عزوف الشباب عن الزواج . 

 

العنوسة والحرب

 أما عن تأثير الحرب الأميركية البريطانية التي تدور رحاها  حاليا في العراق على ظاهرة العنوسة فيقول " د. المجدوب " أن الحرب ستؤثر سلبا على الزواج بسبب ارتفاع تكاليفه وزيادة معدلات البطالة خاصة وأن معظم الشباب يعملون بالقطاع الخاص أكثر القطاعات تأثرا بالحرب وتداعياتها . 

 

البطالة

 بينما يرى " د. محمد النجار " أستاذ لاقتصاد بكلية التجارة جامعة القاهرة أنه منذ أن تخلت الدولة عن التزاماتها بتعيين الخريجين وتوفير فرص العمل للشباب وقد انضم خريجي الجامعة إلى طابور طويل من الشباب الباحث عن العمل وزادت معاناتهم من البطالة الأمر الذي دفع بعضهم إلى السفر خارج الوطن بحثا عن فرصة لتحقيق ذاته وقد أصبح حلم الاغتراب وتحقيق الذات صعب المنال في ظل اتجاه البلدان البترولية إلى تقليل فرص عمل الأجانب مما دفع غالبيتهم إلى العمل في القطاع الخاص الذي غالبا ما يعد بتوفير فرص عمل للشباب دون أن ينفذ ذلك ويكتفي بالتصريحات الوردية . كما أن العديد من العمالة المدربة قد أصبحت تعاني من البطالة بسبب غلق المصانع بعد أن هرب أصحابها بالمليارات خارج البلاد بالإضافة إلى عودة المصريين منذ نشوب الحرب مما ضاعف من أعداد البطالة كل ذلك زاد من نسب البطالة في مصر وباعد بين الشباب والزواج .وناشد د. النجار بضرورة التعاون بين كافة القطاعات الحكومية والأهلية من أجل حل مشكلة العنوسة التي ستتضاعف في ظل الظروف الراهنة وستزيد من الخطر على المجتمع المصري بأسره خاصة بعد أن انقسم المجتمع المصري إلى طبقتين إحداهما قادرة على الزواج " طبقة الأغنياء " والأخرى مطحونة " الطبقة الفقيرة " والتي عجزت عن الزواج والوفاء بالتزاماته وهي الأكثر في المجتمع وأن عدم مراعاتها ومساعدتها ينذر بكارثة أخلاقية في الشارع المصري . 

 

العودة بخفي حنين

 بينما ترى " د. سوسن عثمان " أستاذة الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس أن ظاهرة العنوسة ظاهرة خطيرة تهدد كيان المجتمع المصري بالكامل حيث هناك العديد من الظروف التي ساعدت على تفاقم الظاهرة منها ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية كما أن الحرب الأميركية البريطانية ضد العراق سوف تزيد من تلك المشكلة خاصة وأن هناك الكثير من الشباب يبني طموحاته على السفر إلى دول الخليج وعودته فاشلا سوف يؤثر سلبا على استقرار المجتمع ويزيد من العنوسة سواء بين الشباب أو الفتيات . 

 

انتشار الزواج العرفي

 وأضافت " د. سوسن " أن ارتفاع نسبة الزواج العرفي في مصر وخاصة بين الشباب في الجامعات أكبر دليل على بداية الخطورة حيث يهرب الشباب والفتيات من ارتفاع نفقات الزواج وقد زادت خطورة الزواج العرفي في الإنجاب حيث ينظر القضاء المصري في 12 ألف قضية نسب منها 85% بسبب الزواج العرفي وهي الكارثة التي تتفاقم في غيبة من المجتمع . وناشدت " د. سوسن " الحكمة والنقابات المهنية والجمعيات الأهلية بمساعدة الشباب على الزواج من خلال توفير المساكن الاقتصادية وتوفير فرص العمل قريب من المسكن لتخفيف أعباء المواصلات داخل العاصمة وبما يعود بالنفع على القوة العاملة مع ضرورة التدخل السريع لحل الظاهرة واحتوائها خوفا من تأثيراتها الخطيرة على المجتمع في المستقبل . 

 

رأي الدين

 بينما يرى " د. عبد العظيم المطعني " أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر الشريف أن الدين الإسلامي حرص على قوام المجتمع وهذا القوام يعتمد  على أساس الأسرة من الزواج الشرعي حيث أن المجتمع أساسه أسر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تناسلوا تناكحوا فإني مباهى بكم الأمم يوم القيامة " إلا أن هناك بعض الأسباب التي ساعدت على تفاقم مشكلة العنوسة في المجتمع المصري وهي أسباب اجتماعية بحتة منها العادات والتقاليد السيئة في الزواج حيث هناك مغالاة في نفقات الزواج من حيث تأسيس شقة الزوجية والشبكة والمهور وقد تقف العادات الاجتماعية عائقا أمام إتمام الزواج بسبب الغيرة والتقليد الأعمى إذ تطالب الفتاة بشبكة مثل زميلتها أو صديقتها أو قريبتها أو أختها وهكذا في الشقة سواء من حيث موقعها أو مساحتها وطريقة تشطيبها دون أن تهتم بالاختلاف بين الخطيبين من حيث المستوى الاقتصادي وقد أدى ذلك إلى عزوف العديد من الشباب عن الزواج . ويضيف " د. المطعني " أنه مع الأسف الشديد قد اتجه بعض الفتيات إلى تقليد الغربيات فأصبحت الفتاة لا تفكر في الزواج بقدر ما يشغلها من المساواة بينها وبين الرجل والتدرج في المناصب العليا أو إقامة المشاريع الخاصة وأصبح الزواج أخر ما يشغلها بالإضافة إلى المناخ الاقتصادي السيئ الذي ضاعف من خطورة الظاهرة وساعد على تفاقمها . وناشد " د. المطعني " الحكومة والقطاعات الأهلية بتقديم الدعم للشباب لبناء أسرة ومساندتهم في التغلب على كافة المشاكل لدفعهم نحو الاستقرار .