انتهاء صلاحية حامليها و الاحتقار أحد أسباب الرفض

مغربيات يرفضن تثبيث صفة "بدون مهنة" على هوياتهن

خديجة الفتحي - المغرب
صور وفيديو


تعد بطاقة الهوية بالنسبة للسلطات الأمنية آلية من الآليات الرئيسية لضبط الأفراد داخل المجتمع، وعلى ضوءها يتم ربطهم بقاعدة البيانات، وهي بالنسبة للمواطن وثيقة تمكنه من التحرك بسهولة داخل البلاد، فبدونها لا يمكنه دخول غرفة الطوارئ بمستشفى من المستشفيات، أو الحصول على إعانة، أوالتسجيل في الضمان الاجتماعي والتأمين، كما لايمكنه صرف شيك بنكي أو دفعهة في حساب مصرفي إلا إعتمادا ًعلى هذه البطاقة التي تحدد هويته، و تسهل التحري عنه: محل إقامته، سنه، مهنته إن كان يتوفر على مهنة محددة المعالم، وإلا حملت بطاقته في هذا الباب صيغة "بدون"، كإشارة إلى كونه بدون مهنة، صفة قد تعتبرها بعض ربات البيوت تنقيصا من فعاليتهن داخل المجتمع، واحتقارا لأدوارهن داخل البيت، باعتبارهن مربيات وكادحات في المطبخ وهلم جرا، مما يجعلهن يرفضن أن يحملن هذه الصفة التي تحيل على "لاشيء" في بطاقاتهن الوطنية، وهذا النعث لا تنجو منه في المغرب، حتى السيدات الحاملات للشهادات العليا، ويعشن وضع البطالة.

السيدة حادة ،لا تفك حروف الهجاء، تتحدث إلى "عربيات" بوعي ناضج، معتبرة أن إلصاق صفة "بدون" لربات البيوت يعد جرماً في حقهن، وخاصة النساء القرويات، اللواتي يكرسن جزءا كبيراً من مجهوداتهن بالعمل في المزارع والحقول، ويشاركن الرجل في عمليات الحصاد والدرس، وقد يقمن برعي الأغنام وجمع حطب التدفئة، كما هو الشأن في المناطق الجبلية بسلاسل الأطلس، وفوق هذا تكن مطالبات بتلبية حاجيات الزوج والأطفال على مستوى المأكل والمشرب والتنظيف وغيره.
وتتساءل السيدة حادة، كيف لهؤلاء النسوة اللواتي يقضين أكثر من 20 ساعة في مواجهة أعباء الحياة العائلية، أن ننعتهن في بطاقة التعريف الوطنية، "بدون".

صفة ذميمة


السيدة رقية ربة بيت وأم لثلاثة أطفال، بدورها تذهب في نفس السياق، مؤكدة بأن صفة "بدون مهنة" هي تجلي من تجليات عقلية الإقصاء، وبأنها تعد إهانة في حق المرأة، وتنكراً للأدوار الإيجابية التي تقوم بها داخل البيت، و بحسبها فهي وتبعا لهذا المنطق مجرد حيوان مستهلك ليس إلا، ومن وجهة نظرها، كان من الأجدر ومن باب الاحترام أن تسند لها صفة "ربة بيت " أو مسيرة بيت " على الأقل.

 

 


 

ربة البيت وأولوية راتب التقاعد

من جانبه يساند المتقاعد السيد عاشور عن العمل وجهة النظر السالفة، مشيرا إلى أن هذا النعث يعد معيبا، فلا يعقل أن نتعامل مع ربات البيوت بهذه الطريقة، واللواتي لا يرتحن إلا حين يدرن وجوههن للتراب، باعتبار أن وضعيتهن الاجتماعية داخل البيت لا تسمح لهن بالتقاعد من هذه المهمة مع أخذ تعويضات عن ذلك، قائلا بأن ربة البيت التي أفنت عمرها على تربية الأبناء هي الأولى بالحصول على راتب التقاعد، ولو رمزيا من طرف الزوج لتحسيسها بفاعليتها.
موضحاً: " المرأة في عصرنا الراهن أصبحت تقوم بأدوار مزدوجة، فهي مجبرة على العمل داخل البيت وخارجه".

 

 

 

الغرامة والمسائلة القانونية عوضا عن صفة ذميمة  

 


من جانبها تحكي الآنسة فاطمة بن حمادي عن معاناتها مع بطاقة التعريف الوطنية، بالقول بأنها بعد تخرجها من كلية الحقوق سعت لإتمام دراستها العليا إلا أن منطق المحسوبية حال دون ذلك، كما أن الظروف لم تساعدها على ولوج الوظيفة العمومية، رغم اجتيازها العديد من المباريات خاصة تلك المتعلقة بسلك القضاء، غير أن سيادة منطق الزبونية وتبعا لها حرمتها من تحقيق هذا الحلم، لتبقى عرضة للبطالة مدة كانت فيها بطاقة تعريفها الوطنية قد انتهت صلاحيتها، ولم تقم بتجديدها لكونها لم تكن لتقبل أن تحمل صفة تعتبرها ذميمة، وكانت مقتنعة بهذا الخيار متحدية احتمالات الاعتقال أو دفع غرامة لكونها تحمل بطاقة منتهية الصلاحية.

 

مطالبات بحملة تضامنية لرفع الظلم


السيدة فاطمة أكلاز أستاذة بالتعليم الثانوي وفاعلة في المجال المسرحي والسينمائي، التمست في حديثها لـ "عربيات"، من كل الهيئات والمنابر الإعلامية العمل سويا على تنظيم حملة تضامنية في سبيل رفع الحيف على النساء اللواتي يفرض عليهن قسرا وضع صفة " بدون " كمهنة، هذا مع العلم أن هذه الصفة تحقيرية في حق النساء اللواتي يشتغلن ويؤدين وظائف إما كربات بيوت أو كخادمات أو ما شابه ذلك، موضحة: "مبدأ الإنصاف والكرامة يقتضي مراجعة تصنيف المهن عندما يتعلق الأمر بالنساء، و يستوجب الاعتراف بالأدوار التي يؤدينها في المجتمع كيفما كانت طبيعتها"

 

 

 

المجتمع المدني والاجماع على صفة "بدون" لا تليق بمرأة او رجل 

 

من جهتها ترى النائبة البرلمانية بسيمة الحقاوي أن الأمر أصبح متجاوزا الآن في بطاقة التعريف البيوميترية الحالية، مذكرة بالنضالات التي خاضتها كل التنظيمات النسائية بمختلف تياراتها للدفاع عن المرأة بإزالة عبارة "بدون" في توصيف مهنة المرأة، لكونها إنسان يعمل 24 ساعة على 24 ساعة وأسبوعا على أسبوع وسنة بعد سنة دون الاستفادة من العطل.
وشددت بأن هناك إجماع للمجتمع المدني، بكون هذه الصفة لاتليق بالمرأة ولا بالرجل، داعية إلى النضال من أجل حماية هذه الفئة من الإهانة لأن صفة "بدون" في نظرها، تكرس الإهانة و التقزيم كما تعبر عن بلادة الجهات الرسمية.
وتساءلت النائبة كيف يمكن وصف الأطر العليا والكفاءات الشابة بأنها بدون مهنة، مع أن الذنب والمسؤولية يقع على عاتق السياسات الحكومية واستراتيجيات الدولة التي رمت بهم إلى شارع العطالة والبطالة .

 


الباحث حسن قرنفل: هذا احتقار مابعده احتقار


واعتبر الباحث في علم الاجتماع حسن قرنفل، إثبات صفة "بدون" بالنسبة لربات البيوت في الوثائق الإدارية وبطاقة التعريف الوطنية من الإجراءات الإدارية المشينة والمهينة لوضعية المرأة ومساهمتها في المجتمع، ويرى أن على السلطات المعنية وضع "ربة بيت" كصيغة ومقترح جيد عوض "بدون" التي تخلف اشمئزازا في نفوس النساء وكأن لا دور لهن.
وأشار قرنفل، أن مديرية الإحصاء بالمغرب، ومن خلال بعض بحوثها في العالم القروي المنجزة مؤخرا، كانت تقف في استنادها على بيانات النساء القرويات على صفة " بدون عمل" لكن فرق البحث وبناءا على اللقاءات المباشرة والميدانية ستكتشف أن هؤلاء النساء القرويات الحاملات لصفة "بدون"، يندرجن ضمن الفئة النشيطة في المجتمع ويمارسن أنشطة مدرة للدخل وفي بعض الأحيان يعملن أكثر من الرجال .
وفيما يخص ربات البيوت اللواتي يقمن بالأعمال المنزلية وتربية الأبناء، أكد قرنفل على أنهن يعانين من الإقصاء والتهميش، و نعتهن بهذه الصفة يحمل ازدراءا، في حين أن العمل الذي يقمن به، لو قامت به امرأة ثانية باعتبارها خادمة أو مساعدة أو مربية لتقاضت عنه أجرا، وهذا يعني أن ما يقمن به نشاط مدر للدخل لكنه على مستوى الأسرة والعلاقة الزوجية يندرج ضمن واجبات وحقوق العشرة الزوجية حسب الموروث الثقافي.
وأعرب الباحث عن أسفه من كون السلطات تلصق أيضا بالكفاءات النسائية من ذوي الشهادات العليا المعطلات عن العمل صفة "بدون"، معتبرا ذلك تنقيصا من قدراتهن وقيمتهن العلمية والاجتماعية، وبالتالي وبحسبه فهذا احتقار ما بعده احتقار، قد يدفع ببعضهن إلى التحايل على القانون قصد التهرب من ويلات " بدون" في الوثائق الإدارية، مشيرا على أحتى وإن كانت البطاقة الوطنية الجديدة البيوميترية لاتشير إلى المهنة في بياناتها لكنها ضمنيا تتضمن وثائق إدارية تشير إلى المهنة.