شروط تعجيزية

مقدسيات متزوجات في الضفة يواجهن واقعا مريرا وسياسات إسرائيلية مذلة

عربيات : فلسطين المحتلة - لبنى الأشقر

" أعيش عند أهلي في القدس، وزوجي يعيش في بلدته داخل الضفة، ونلتقي في نهاية الأسبوع…"، قالت رنا العشي المقدسية التي تزوجت منذ ما يقارب الشهرين واصفة حالها الشبيه بمئات الحالات الفلسطينية التي يكون طرفي الزواج فيها زوجة مقدسية وزوج من محافظات الضفة.

واقع تعيشه الكثير من الأسر الفلسطينية التي فرضت عليها مكاتب وزارة الداخلية الإسرائيلية الشقاء والمعاناة والحرمان من الشعور بوحدة العائلة واستقرارها، فكل طرف مشتت هنا وهناك، وتلك التي تعيش بعيدة عن زوجها في القدس لا تستطيع أن تمنحه حق الحياة إلى جانبها لأنه وإن فكر بذلك فهذا يعني بداية حياة مليئة بالمخاطر والصعوبات، وتصل في بعض الأحيان إلى العيش خلف القضبان.

و بعد قرار وزارة الداخلية الإسرائيلية بتوقيف معاملات لم الشمل للعائلات الفلسطينية تبددت آمال الأسر التي يكون أحد الزوجين فيها حملا للهوية الإسرائيلية، هوية القدس، من الحصول على لم شمل بقية العائلة والالتحاق بها.

لقاء في نهاية الأسبوع

و العشي موظفة من القدس، تزوجت بأحد الشبان من منطقة بشمال الضفة، منذ ما يقارب الشهرين، لم تحاول تقديم لم شمل لزوجها لأنه لا فائدة منه على حد قولها، :" أعيش وزوجي حياة صعبة، فهو يقيم عند أهله في الضفة وأنا أعيش في القدس عند عائلتي، بعيدين عن بعضنا ولا نلتقي إلا في نهاية الأسبوع…" قال رنا، وأضافت:" أخاطر بالذهاب دوما إلى بلدته لصعوبة وصوله هو عندي بالرغم من أننا استأجرنا منزلا في الرام، بين رام الله والقدس، وندفع إيجاره دون أن نسكنه…".

تجد رنا صعوبة في ترك وظيفتها التي تشكل مصدر رئيسي لدخلها وزوجها، والذي بدوره لا يستطيع ترك عمله في بلدته والسكن في منطقة الرام دون عمل خاصة مع صعوبة الأوضاع والتنقل على الطرقات الرئيسية، وهكذا يجد الزوجان نفسيهما يعيشان حالة من التشتت خاصة وأن المشكلة قائمة منذ زمن، ولا تظهر لها بوادر حل مع تزايد القرارات الإسرائيلية الرامية لتضييق الخناق على السكان المقدسيين لإفراغ المدينة من السكان الفلسطينيين بسياسة مسعورة ومحمومة لتهويد المدينة بشتى الوسائل الممكنة.

صعوبات مضاعفة

سهى القاضي سيدة مقدسية أخرى متزوجة منذ ما يقارب الثلاث سنوات ولديها طفلين، تقول:" قدمت أوراق جمع شمل لزوجي منذ أكثر من عام، ولكن حتى اللحظة لم يحصل عليها أي جديد، والآن مع توقف قبول هذه المعاملات لا أدري ماذا سنفعل، فالحياة أصبحت صعبة للغاية خاصة مع وجود طفلين يحتاجان للرعاية ووجود والدهم إلى جوارهما دوما…"، وكانت القاضي تقيم في مدينة رام الله في أغلب الأحيان، وفي بعض الأوقات تضطر للبقاء فترات طويلة عند أهلها بالقدس كي تتابع معاملة جمع الشمل كاملة ويتم إثبات تواجدها في القدس، وهو شرط أساسي و يجب أن تثبت لدى مكتب الداخلية الإسرائيلي ذلك.

فالعائلة يجب أن تكون من سكان مدينة القدس ولديها عنوان دائم، مع فواتير ماء وكهرباء تثبت استمرارية السكن، إضافة لدفع ضريبة الأرنونا على الأملاك والعقارات، وكذلك ضرورة حوزة عقد الإيجار أو ورقة ملكية البيت.

وبعد تجميع هذه الأوراق والوقوف ساعات طويلة بشكل مذل وتحت أشعة الشمس الحارقة صيفا وتحت المطر شتاء أمام مكاتب الداخلية الإسرائيلية على مدار أيام وقد تصل أحينا إلى أسابيع تقدم الطلبات لينظر فيها بعد عدة أشهر وربما سنوات إما قبولا أو رفضا في أغلب الأحيان.

شروط تعجيزية

تقول سهى:" يضعون علينا شروطا تعجيزية عند تقديم طلبات لم الشمل، إضافة إلى دفع مبالغ طائلة سواء عند تقديم الطلب أو عند تسجيل الأطفال الجدد في هوية الأم…".

وتضيف:" لقد خرجت وزارة الداخلية بقرار جديد يقضي بمنع تسجيل الطفل إذا زاد عمره عن سبعة أشهر تقضيها الأم أمام مكاتبهم المزدحمة دوما لتسجيل طفلها الجديد، وإن لم تفعل خلال تلك الفترة لا يعتبر الطفل مرافقا ويحتاج لطلب جمع شمل جديد ومستقل…".

 

مخاطرة

كما يشكل وجود الأزواج في القدس دون هوية أو تصريح للإقامة مخاطرة كبيرة عليهم وعبئا نفسيا على زوجاتهم، ومنهم من تعرض للضرب والإهانة والاعتقال حتى وإن وجد في هويات زوجاتهم ما يثبت أنهم مرافقين لها، أو عقد زواج يثبت الحالة.

وهذا ما حصل مع إبراهيم درويش الذي أمسكت به الشرطة الإسرائيلية وأوسعته ضربا واحتجزته في سجن المسكوبية مدة ثلاثة أيام حتى قامت زوجته بإحضار كافة الإثباتات اللازمة بأنه متزوج من مقدسية، وأطلق سراحه بعدها ومنع من التواجد داخل حدود المدينة.

أما أبو أسعد العيني فقد قامت الشرطة الإسرائيلية بتمزيق لم الشمل الذي بحوزته  بعد أن ظل نحو العشرين عاما مشتتا عن عائلته وسكن في الأردن، وبعد أن استطاعت زوجته استصدار لم شمل له عاد إلى القدس، وحينها اعتقلته الشرطة وحدث ما حدث، وتم الزج به وزوجته وأبنائه في معتقل المسكوبية وبعد ذلك قالوا له : " أحضر إثباتا أن معك لم شمل …".

هذا هو وضع الأسر الفلسطينية التي كتب عليها أن يكون الزوجان فيها فلسطينيان لكن أحدهما" ضفاوي والآخر مقدسي…" مسميات غريبة وواقع أغرب يشهد على فظاعة الإحتلال وتجرده من أي قيم إنسانية، فبأي عرف يحرم الأطفال من رؤية آبائهم والعيش إلى جانبهم،م وبأي قانون يبقون مشتتين يلتقون على الحواجز أو حتى من ورائها…واقع مرير وسياسات صهيونية مذلة ولكنها في الوقت نفسه ضريبة البقاء على الأرض وحمل الهوية الفلسطينية أيا كانت تسميتها.