عنجهية الإحتلال الصهيوني تبرز بأبشع صورها

مع الأسيرات الفلسطينيات

عربيات : فلسطين المحتلة - ميرفت صادق

"سألت عن مكان وجودي فلم يجيبوا بل واصلوا الصراخ والتهديد وشدي من يدي ونقلني من مكان إلى آخر داخل الغرفة في محاولة لدفعي للانهيار… يطالبونني بالاعتراف دون أن يقولوا عن ماذا …وكلما قلت أنني لا أعرف عما سأعترف به, اتهموني بالكذب… هددوا بإحضار خطيبي وأفراد أسرتي وهدم منزلنا إذا لم أعترف … وأزالوا غطاء الرأس في محاولة لإهانتي …."…

مدة ثلاثة أيام راحوا يطالبونها باعتراف عن شئ لم يحددونه، هذه المطالبة لم تقف عند حد الصراخ فقط، بل رافقها إهانات وشتائم وعزل انفرادي وتناوب أكثر من 20 محققا على تلك الفتاة التي كبلوها وراحوا يتلذذون في تعذيبها، هكذا روت ميادة القطب 24عاما مهندسة زراعية من مدينة طولكرم،شمال الضفة الغربية، أحداث الثلاثة أيام السوداء في حياتها في إحدى المقابلات معها.

ادعوا أنها ساعدت أحد الاستشهاديين في الدخول إلى الأراضي المحتلة عام 48، وظلت مدة ثلاثة أيام تحاول إفهامهم أنها لا تعلم عما يدعون شيئا، لم يستجيبوا لنداءاتها…وفي النهاية كان جهاز كشف الكذب الذي أخضعت له، هو الفصل وأطلق سراحها بعد أن ظهر زيف ادعاءاتهم.

ميادة القطب لم تكن الأولى أو الأخيرة في سلسلة استهداف الفتيات الفلسطينيات التي بدت أجهزة الأمن الإسرائيلي من خلالها عاجزة بالفعل، إذا اتجهت في التعامل مع أمور الاعتقال من توفر المعلومات لديها إلى توجيه تهمة "النية" أو "التفكير" بالقيام بعمليات مضادة كما تدعي، دون أدنى دليل ….

ويبدو أن إسرائيل عليها اعتقال معظم الشعب الفلسطيني وبعدها يمكن فرز من يفكر ومن لا يفكر، هذا ما فعلته تماما على سبيل المثال عندما قامت باجتياح مخيم بلاطة ومخيم عين بيت الماء في بداية الشهر الجاري، كان الخبر يقول بالحرف الواحد:" اعتقلوا كل الرجال" وهذه الكل تضمنت من هم في سن الرابعة عشرة "وطالع".

عجزت أجهزة الأمن الإسرائيلية مع الفلسطينيين ماذا تفعل معهم،حارت ولم تجد سوى الفتيات صيدا سهلا، علها بذلك تجرّ من تريد أن تطيح بهم بعد أن أعيتها ملاحقتهم.

تاريخيا…

استطاعت أجهزة الأمن الإسرائيلية على مدار العقود الماضية اعتقال ما يقارب العشر آلاف امرأة فلسطينية، الأمر الذي يعكس الدور الريادي للمرأة الفلسطينية خلال سنوات النضال وان اختلف في أشكاله، وشملت هذه الحملة اعتقال فتيات قاصرات مثل سوسن أبو تركي 15 عاما من الخليل ورابعة حمايل13 عاما من قرية بيتا بالقرب من نابلس، وكذلك سناء عمرو 14عاما من دورا الخليل، وسيدات متزوجات من بينهن حوامل وضعن أطفالهن في السجون كما حدث مع الأسيرات أميمة الاغا و ماجدة السلايمة و سميحة حمدان، وقد شهدت اكبر حملة اعتقالات ضد النساء الفلسطينيات في الفترة ما بين (1968-1976) وكذلك في فترة الانتفاضة الأولى .

ورافق حملات الاعتقال هذه مجموعة من الممارسات اللاإنسانية من حملات التعذيب والتنكيل بحقهن وحسب شهادات مجموعة من الأسيرات المحررات فإنهن تعرضن للضرب والضغط النفسي ووصل الأمر مع المحققين إلى تهديدهن بالاغتصاب.

وخلال سنوات الاعتقال الطويلة استطاعت المرأة الفلسطينية الأسيرة حتى في الزنازين أن تثبت للاحتلال أنها عصية على كل مؤامراته في الحط من عزيمتها، فقد خاضت الأسيرات العديد من الخطوات الاحتجاجية وسلسلة من الإضرابات المفتوحة في محاولة لتوفير الحد الأدنى من مستلزمات الحياة الطبيعية التي منعتها عنهن إدارات السجون، وكذلك كوسيلة ضغط من اجل رفع التعذيب والاضطهاد الذي يتعرضن له حتى بعد المحاكمة وانتهاء التحقيق، وكان من ابرز هذه الخطوات الإضراب المفتوح عن الطعام عام 84 الذي استمر 18يوما، وكذلك إضراب عام 92الذي استمر 15 يوما وأيضا الإضراب الذي خاضته الأسيرات عام 96 واظهرن فيه مدى صلابة الجسد الفلسطيني الواحد عندما رفضن الإفراج المجزوء عن عدد منهن إثر اتفاق طابا، الأمر الذي دفع الحكومة الإسرائيلية للإفراج عن جميع الأسيرات في مطلع العام 97.

في انتفاضة الأقصى

بلغ عدد الأسيرات الفلسطينيات منذ بداية انتفاضة الأقصى، وحسب معلومات نادي الأسير الفلسطيني 30اسيرة، وهذا الرقم غير نهائي، إذ أن حملة الإعتقالات التي شرعت بها قوات الأمن الإسرائيلية وأخذت تستهدف في الكثير من الأحيان فتيات، مثلما حدث خلال الاجتياح الأعنف لمدينة نابلس في بداية نيسان الماضي، حيث تجرأت القوات الإسرائيلية على اقتحام أحد مساكن طالبات جامعة النجاح وقامت باعتقال ثلاث فتيات بادعاء نيتهن القيام بعمليات تفجيرية في الأراضي المحتلة عام 48، وكذلك اعتقال عبيده أبو عيشة من قرية بيت وزن بدعوى نيتها القيام بعملية استشهادية أيضا .

 ويبدو أن تلك التهمة الجاهزة التي أخذت أجهزة الأمن الإسرائيلية تلفقها لهؤلاء الفتيات أصبحت صعبة بعض الشيء عند اعتقال فتيات لا علاقة لهن بالسياسة لا من قريب و لا من بعيد مثلما حدث مع انتصار العجوري من مخيم عسكر الجديد، حيث اقتحم الجنود بيتها بحثا عن أخيها، لكن في نظر الجنود اعتقال الفتاة سيلقن الأخ درسا لن ينساه عندما يعلم بان التعذيب الذي تتعرض له شقيقته سيستمر لمدة ستة اشهر قادمة، إذ تم تحويلها للاعتقال الإداري، أي دون توجيه أية تهمة لها أو حتى تقديمها للمحاكمة، وذلك أثناء تقديمها لمحكمة عسكرية في معسكر عوفر.

ويكون بذلك قد ارتفع عدد الأسيرات الفلسطينيات في السجون والمعسكرات الصهيونية نحو 58 معتقلة حتى منتصف تموز الجاري.

تعذيب وانتهاكات

وتنص المادة 13 الخاصة بمعاملة أسرى الحرب بإنسانية في اتفاقية جنيف الثالثة الصادرة عام 49، على أنه " يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات، ويحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أي فعل أو إهمال غيرمشروع…" وكذلك " يجب معاملة أسرى الحرب في جميع الأوقات وعلى الأخصجميع أعمال العنف والتهديد، وضد السباب وفضول الجماهير"، وتنص المادة 14 على أنه" لأسرى الحرب حق في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال." و" يجب معاملة النساء الأسيرات بكل الاعتبار الواجب لجنسهن…". ومقابل كل هذا ضربت إدارات السجون الصهيونية بهذه النصوص والاتفاقيات بعرض الحائط واستخدمتها في المواقف التي تبرر لها أفعالها اللاإنسانية.

و قد شهدت الانتفاضة الحالية عدد كبير من الانتهاكات بحق هؤلاء الأسيرات خاصة أؤلئك اللواتي تم وضعهن في سجن الرملة للنساء، وكان بينهن أسيرتان  قاصرتان هما سناء عمرو 14عاما و رابعة حمايل 13عاما،حيث المئات من السجينات الجنائيات اللواتي يتعاطين المخدرات ويشكلن خطورة بالغة على هذه القلة بينهن.

أبشع الصور

 وبرزت اكثر القصص مأساوية في الصراع التي تخوضه أسيرات مثل آمنة منى 25عاما من بيرنبالا، شمال القدس المحتلة، التي ادعت أجهزة الأمن الصهيونية تورطها في استدراج شاب إسرائيلي عبر الإنترنت إلى إحدى مناطق رام الله وقتله على أيدي مجموعة من الشبان الفلسطينيين، حيث تعرضت منى للتهديد بالقتل اكثر من مرة من قبل السجانين، حسب إحدى الرسائل التي تم تسريبها منها داخل السجن وتلقاها نادي الأسير الفلسطيني، وفي إحدى المرات كما قالت: "جاءت مديرة السجن (سجن الرملة) وبعض الضباط إلى داخل الغرف وطلبوا منهن أن يحزمن حاجياتهن دون أن يفصحوا لهن عن التفاصيل، وظلت آمنة وحدها في الغرفة، واخبروها وقتها أنها معزولة والسبب على حد زعمهم أنها شتمت مديرة السجن، بعد ذلك حضر عشرات السجانين من سجن أيلون " نفي تريستا " وهم مدججون بالسلاح وبدؤوا بمهاجمتها بالعصي، وعندما حاولت أن تحمي نفسها وقعت على الأرض وراح ثلاثة منهم بضربها على رأسها وجسدها وقاموا برش الغاز على وجهها، ومن ثم جرها من يديها وقدميها إلى غرفة ثانية وكان رأسها ملقى على الأرض ويداها تنزفان دما، وبعد ذلك قاموا بوضعها على أحد الأسرة وكبلوا يديها وقدميها واستمروا في ضربها.

 

 

ونقلت آمنة  بعد ذلك كعقاب لها إلى سجن أبو كبير، في مدينة القدس، حيث يقبع المئات من السجناء الجنائيين، وكذلك الأسيرة القاصر سوسن أبو تركي التي اعتقلتها القوات الإسرائيلية بتهمة محاولتها طعن جندي صهيوني، ووصفت حالتها بأنها صعبة جدا حيث تعاني من اضطرابات نفسية حادة على اثر اعتداء الجنود عليها بالضرب خاصة على الرأس إضافة إلي أوجاع حادة في الرئة.

الأسيرة القاصر / سوسن أبو تركي  

وذكرت تقارير خاصة  لمؤسسة القانون في مدينة رام الله، أن معلومات سربت من سجن الرملة للنساء تفيد بأن الأسيرات هناك يتعرضن لأساليب مذلة في التعذيب والإهانة، حيث تجبر هؤلاء الفتيات على خلع ملابسهن يوميا بشكل كامل، ويتعرضن بعدها للضرب والإهانة على أيدي السجينات الجنائيات اللواتي يشاركنهن السجن ذاته، وتقوم السجينات بملامسة أجساد الفتيات وفي حالة اعتراض أحدهن تهدد بأن سجانين من الرجال هم الذين سيقومون بهذه المهمة في المرة القادمة.

أساليب جديدة قديمة

وحول ظروف اعتقال الفتيات مؤخرا، يقول رائد عامر مدير مكتب نادي الأسير في مدينة نابلس، ( أعتقل بعد إجراء المقابلة معه بيومين )، :" إن قوات الاحتلال قامت باعتقال ستة فتيات على الأقل على المستوى محافظة نابلس خلال الاجتياح الذي تعرضت له المدينة في مطلع حزيران الماضي.

رائد عامر : لازال المحققون يستخدمون أساليب شبح الكرسي ، وغرف العار ، والحرمان من النوم

 وأضاف:" إن ذريعة الاعتقال هذه المرة كانت تدور حول النية في القيام بعمليات تفجيرية، أو بسبب ذرائع خسيسة للضغط على أحد أفراد العائلة الذي تدعى إسرائيل انه مطلوب لديها". وقال عامر:" إن قوات الأمن الصهيونية تمارس اشد أنواع التعذيب التي وصفها بالقديمة الجديدة بحق الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية وخاصة في سجن الرملة" ونفي تريستا"، فما زال المحققون يستخدمون أساليب الشبح على الكرسي في وضع تكون فيه الأيدي مكبلة للخلف، وكذلك الحرمان من النوم لفترات طويلة، و استخدام غرف العصافير أو ما يعرف "بغرف العار" بهدف الإيقاع بأكبر عدد من الأسيرات ودفعهن للاعتراف بتهم ملفقة، وأضاف:" أن معظم الأسيرات اللواتي تم اعتقالهن في السابق كان على خلفية محاولة الطعن ولكن إسرائيل أخذت تستحدث تهما جديدة خاصة في حملاتها الأخيرة".

وتابع:" انه وفي ظل الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة لا شيء أصبح مستبعدا عن هذه الحكومة فأساليب تعذيب الفتيات هي ذاتها التي يتعرض لها الشبان، لكن الأمر يكون أصعب مع الفتيات حيث يسعون لابتزازهن وتهديهن لانتزاع الاعترافات"، وصرح عامر أنه وفي ظل قانون الاعتقال الإداري تستطيع إسرائيل اعتقال وتوقيف من تريد من الفتيات والشبان دون حاجتها لتقديم مذكرة اعتقال أو حتى توجيه تهمة.

يهددن بكل شيء

وأشار فارس أبو الحسن محامي مؤسسة التضامن الدولي، إلى أن قوات الأمن الإسرائيلية لا تراعي أية اعتبارات إنسانية عند اعتقالها أي فلسطيني وخاصة الفتيات منهم. وأضاف:" أن الأسيرات في السجون الإسرائيلية يهددن بكل شيء، بشرفهن وعفتهن ".

وقال:" إن التعامل مع الفتيات يكون مختلف بعض الشيء خاصة في قضية التعذيب إذ أن الفتيات في أغلب الأحيان ليس لديهن قدرة عالية على الصمود كالشباب فهي معرضة للانهيار بسرعة بسب الضغط النفسي الذي تتعرضن له على الرغم من أنه هناك حالات كثيرة استعصت على المحققين تحت التعذيب الشديد".

تفهم وفخر

وقد أبز أهالي الأسيرات مواقف مشرفة في معظم الحالات على الرغم من الظروف الصعبة التي يتعرضن لها بناتهم، ومنع معظمهم من زيارتهن منذ أشهر طويلة، يقول أبو الحسن:" أن لدى أهالي الأسيرات تخوف أكبر من عائلات الشبان من منطلق ضعف البنات مقارنة مع الشباب، لكن بالمقابل هناك تفهم كبير لديهم خاصة أن اعتقال بناتهم كان على خلفية وطنية الأمر الذي يصبح مدعاة للفخر، إذ أن العمل الوطني ليس جديدا على الفتاة الفلسطينية، وقد تعرضت منذ القدم للاعتقال والتعذيب والمحاكمة، والقضية ليست غريبة على مجتمعنا".

وحول إبداء البعض تحفظا على قضية اعتقال الفتيات يقول:" إن ذلك يعود لأن الاعتقال أخذ يشمل فئات مختلفة من المجتمع الفلسطيني بكافة فئاته، فلقد كان الأمر قبل سنوات مقتصر على نساء ذات اتجاهات يسارية أو وطنية، لكن في الآونة الأخيرة رحنا نشهد اعتقال فتيات من عائلات ذات اتجاهات إسلامية أو معروفة بتدينها ومحافظتها…".