موت وولادة على الحواجز الإسرائيلية

النساء الفلسطينيات الحوامل

عربيات : فلسطين - لبنى الأشقر

لم يبق إنسان فلسطيني إلا وذاق صنوف العذاب والاضطهاد الإسرائيلي في ظل الحصار المشدد على المدن والقرى الفلسطينية منذ ما يزيد على خمسة عشر شهرا فمنذ بداية انتفاضة الأقصى لم يبق بيت ولا رجل ولاطفل ولا امرأة إلا وذاق وعاش الألم والمعاناة والحرمان الذي كتب على الشعب الفلسطيني دون شعوب العالم اجمع منذ سنوات وسنوات وما زال مستمرا بشكل أكثر عنفا وبأساليب وطرق جديدة لم تخطر قط على بال إنسان سويّ مهما اشتد بطشه وظلمه، ففي كل الأعراف الدولية والإنسانية المتفق عليها فان الأطفال والنساء يجب حمايتهم وعدم التعرض لهم بالقتل أو الاضطهاد وإخراجهم من دائرة أي نزاع، لكن إسرائيل لم تأخذ بهذه الأعراف وضربت بحقوق الإنسان عرض الحائط ولم تفرق بين رجل أو شاب أو امرأة إلا طاله بطشها وحصارها وقتلها اليومي، فما نشاهده يوميا على الحواجز الإسرائيلية من إهانة وذل وقتل مستمر لم تسلم منه النساء الفلسطينيات حتى الحوامل منهن .

ففي أي وضع طبيعي أن تسمع أن هناك امرأة حامل على وشك الولادة هذا يعني أن تسهل عليها وتساعدها بكل ما لديك من جهد هذا يحدث عند أناس يعدون من بني البشر  لكن ما يحدث مع جنود الاحتلال هو العكس تماما فرؤيتهم لامرأة مريضة وحامل أو حتى على وشك الولادة لا يعني لهم شيئا ولا يحرك فيهم أي  من المشاعر الإنسانية بل على العكس من لذلك وبدلا من يسمحوا للسيارة التي تقلها بالمرور يعرقلون مسيرها ويوقفونها على الحواجز لساعات عديدة. عشرات من النساء وضعن أبنائهن على الحواجز الإسرائيلية وعلى مرأى من جنود الاحتلال .

أم محمد من محافظة نابلس، شمال الضفة الغربية، تحدثت بمرارة وبانفعال كبير وهي تروي ما حصل لها على إحدى الحواجز العسكرية المقامة على مداخل مدينة نابلس تقول "شعرت بألم المخاض في الصباح الباكر فقام زوجي بإحضار سيارة لنقلي إلى المستشفى، وفعلا خرجنا وقطعنا مسافة طويلة عبر الطرق الترابية الوعرة التي زادت من آلامي أضعافا مضاعفة وشعرت باني سأموت في هذه اللحظات دون أن أستطيع الوصول إلى المستشفى لاضع مولودي البكر". وتتابع أم محمد ولمحة حزن طفت على محياها :"سرنا مسافة طويلة حتى خرجنا إلى الطريق الرئيسية فإذا بدورية لجيش الاحتلال تصادفنا في الطريق وتوقفنا لكن الله ستر فعندما علموا أنني في حالة ولادة سمحوا لنا بمتابعة السير وعند اقترابنا من الحاجز العسكري المؤدي إلى المدينة أوقفنا الجنود وطلبوا منا أن نطفئ السيارة وننتظر "تتابع ام محمد": اعتقدت في البداية انهم سوف يوقفونا لبضعة دقائق فحسب خاصة واني على وشك الولادة لكن الدقائق مرت ساعات وأنا أعاني واصرخ من شدة الألم وكلما حاول زوجي إقناعهم بالسماح لنا بالمرور رفضوا وفي النهاية أمروا زوجي إن يعود من حيث أتى وفعلا لم نجد حلا إلا العودة من حيث أتينا، والله ستر علي ووضعت مولودي في البيت دون أي مضاعفات على الرغم من المخاطر الكبيرة لذلك لكوني "بكريه".

ينزفن لساعات طوال

فاطمة رداد ذاقت مرارة الحواجز بكل ما في الكلمة من معاني فهي تقول أن النساء اصبحن في بعض الأحيان يخشين من الحمل خوفا من أن يضطررن للولادة على إحدى الحواجز العسكرية وتدعوا للنساء أن لا يريهن الله ما شاهدته هي بنفسها من معاناة قائلة :"كنت حاملا في الشهر الثاني وبسبب الإجهاد وضعف الجنين في رحمي أصابني نزيف قوي جدا فاستدعى زوجي الطبيب المتواجد في القرية والذي أشار بضرورة نقلي مباشرة فطلبنا سيارة إسعاف لكن لم نجد ولا واحدة منهن موجودة فكلهن محجوزات على الحواجز وبعد أربع ساعات حضرت سيارة الإسعاف وأنا انزف طوال هذه الفترة ولا أحد قادر على عمل أي شيء لمساعدتي بعد ذلك نقلوني إلى المستشفى وعند الحاجز الجنوبي لمدينة نابلس رفض الجنود إدخالنا مما اضطر المسعفون إلى حملي ونقلي إلى سيارة إسعاف أخرى على الجهة المقابلة للحاجز ". فاطمة لم تنس هذه الساعات العصيبة التي عاشتها والتي شعرت بأنها سنوات على حد تعبيرها فقد كاد يودي بحياتها نتيجة نزفها لسبع وحدات دم أثناء انتظارها لسيارة الإسعاف ونقلها من سيارة إلى أخرى عبر الحاجز.

هكذا هي الحياة والموت عند الفلسطينيين فبين ميلاد أي طفل فلسطيني ووفاته قاسم مشترك هو "الدم" فدم عند الولادة ودم عند الممات .آمنة حامد من محافظة سلفيت هي أيضا إحدى النساء اللواتي كتب لهن القدر المرور بهذه التجربة الاليمةويذقن صنفا من صنوف المعاناة المتعددة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني وكأنه قدر كتب على كل إنسان قدر له أن يولد على هذه الأرض تقول:"كنت في أثناء الدوام المدرسي أعطي حصة عندما أصابني نزيف شديد فقامت مديرة المدرسة بطلب سيارة إسعاف جاءت لتنقلني إلى المستشفى وعند حاجز حوارة، القريبة من نابلس، انتظرنا لمدة ساعتين حتى سمح لنا بالدخول إلى مدينة نابلس وكنت خلالها انزف، لكنني حمدت الله أني استطعت الوصول إلى المستشفى ولم أتغلب كثيرا كما يحصل مع غيري من النساء بقيت في المستشفى لعمل عملية تنظيفات وبعد ذلك حاولت العودة إلى قريتي عن طريق نفس الحاجز لكن الجنود منعوني من ذلك وانتظرت ساعة لكن دون جدوى مما دفعني للجوء إلى طريق ترابية بين الجبال تمر بمحاذاة حاجز جيت ومشيت ما يزيد عن2 كيلو متر على قدمي على الرغم من العملية التي أجريتها في نفس اليوم وحتى هذه اللحظات اشعر باني متعبة ومريضة بسبب ذلك اليوم " .

ولادات على الحواجز

عندما تكون صحافي معني بقضية ما وبلفت انتباه الراء العام لها اخذ بالبحث عن الناس لهم علاقة بالموضوع قد يأخذ ذلك منك وقتا وجهدا لكن أن تجد في المحيط الصغير الذي تعيش فيه اكثر من حالة عاشت الوضع المعني فيه أنت وتتحدث لك عما تريد بكل صدق وبخبرة إنسان مجرب هذا كله يشعرك بالارتياح لانك لم تتحمل مشقة كبيرة في البحث لكن في حالتنا الفلسطينية تصل الى مرحلة تتمنى فيها أن لا يكون فيها أناس يتحدثون عن معاناتهم تتمنى لو إن أحدا لا يعاني او حتى عدد قليل وليس حالة تعم شعبا بأكمله ولا تقتصر على فئة دون أخرى ،فكل حالة تجدها تضيف المزيد من صنوف المعاناة قد يصل بعضها إلى درجة قد تعتبره فكاهة لكن باطنها مليء بالألم فيصبح محزن مبكي في آن واحد هذا ينطبق على ما حصل مع أم سامر التي اشتد عليها المخاض ليسرع زوجها الى محاولة نقلها إلي المستشفى ليصل آبى الحاجز العسكري الذي اصبح وجوده شيئا ملاصقا ومرتبطا بكل مدينة فلسطينية ويهرع الى الجنود المتواجدين على الحاجز ليسمحوا له بالمرور لكن الجنود يرفضون السماح له بالمرور فيكرر عليهم الطلب اكثر من مرة مخبرا اياهم بان زوجته على وشك الولادة فيأتي الجندي إلي السيارة التي تقل زوجته وينظر فيها فيقول له انتو كاذب زوجتك ليست حاملا لان بطنها صغيرة  فيأخذ الزوج بالحلفان له أنها حامل ولم يشفع له لديهم الأوراق التي كانت معه من الطبيبة التي تعالج زوجته تشير إلى انه حامل في الشهر التاسع ولم يقتنع الجندي إلا عندما شاهد المرأة بدأت بوضع جنينها فسمح لهم بالمرور.

هذه عينة من الواقع المليء بالتجارب فكثير من النساء الحوامل منعن من الوصول إلى الأطباء المشرفين على حملهن بسبب الحصار وأخريات كثر أيضا اللواتي لم يراجعن أي طبيب أثناء حملهن لنفس السبب، حالة من هنا وأخرى من هناك لكنها تتكرر في كل منطقة وقرية فلسطينية وقد يكون لدى البعض تجارب أقسى من تجارب النسوة التي شملهن التقرير وتتمنى كل واحدة منهن لو أنها تحدثت عما عانت منه لكن هذه العينة البسيطة من نساءنا لسان حال الكثيرات ترفع صوتها بالسؤال إلي كل ضمير حي والى إعياء الإنسانية أليس هذا ظلما؟    أليس هناك من أحد يقف ويقول كفى لهذا الطغيان والجبروت الإسرائيلي؟!!