نظيرتها الإلكترونية تستأثر باهتمام الأطفال

الألعاب الشعبية، هل هي في طريقها نحو الإندثار؟

المغرب - عبدالواحد أستيتو
صور وفيديو

أمضينا طفولتنا بعيدين عن الألعاب الإلكترونية و ألعاب الكمبيوتر التي تملأ البيوت و المحلات اليوم، فلا يكاد يخلو شارع من محل أو أكثر لهذه الألعاب التي تجلب عددا كبيرا من الأطفال الذين يلصقون أعينهم بالشاشة التي تحمل إليهم صورا ملونة متحركة يتحكمون فيها كما يريدون. فما سر هذا الإقبال الكبير؟

من المؤكد أن الطفل - أي طفل - لديه دائما رغبة في إثبات تفوقه و قدرته على السيطرة على الآخرين، خصوصا إذا كان هذا الطفل يعاني من الاضطهاد  من طرف أسرته التي قد تنعته بالغباء أو الجبن أو تقوم بتفضيل أحد إخوته عليه ... هذا الاضطهاد يولد لدى الطفل رغبة كبيرة في إثبات عكس ما يظنه الآخرون و أنه قادر على الانتصار و التفوق. و هو لن يجد أفضل من الألعاب الإلكترونية لتفريغ تلك التراكمات النفسية فيتخيل - مثلا - أنه يصارع أحد أقرانه الذي يضايقه أو حتى أخاه الذي يضايقه. و كلما فشل في تحقيق مبتغاه (الانتصار) يعاود اللعب من جديد إلى أن ينتصر فيشعر براحة نفسية غالبا ما تكون كاذبة و مؤقتة فيعود مرة أخرى إلى اللعب و هكذا دواليك. دون إغفال ميل بعض الأطفال للعنف دون سبب  محدد، و هؤلاء - أيضا - يقبلون بكثرة على هذه الألعاب. مع الإشارة إلى أن الألوان و الشخصيات  المحبوبة هي عامل جذب مهم بالنسبة للبقية الباقية من الأطفال الذين لا يعانون مما سبق ذكره.

على أنه من الواضح أن الألعاب الشعبية التي عايشتها الأجيال السابقة تبقى الأجمل و الأكثر راحة بالنسبة للطفل . فبغض النظر عن الأمراض الكثيرة التي قد يسببها الجلوس لساعات أمام ألعاب الكمبيوتر من ضعف نظر و تشنجات عصبية ، فإن فوائدها تبقى قليلة.

الألعاب الشعبية تمنحنا طفلاً إجتماعياً، بينما ألعاب الكمبيوتر تحوله إلى إنعزالياً

إن الألعاب الشعبية تمنحنا طفلا اجتماعيا بطبعه (أغلب هذه الألعاب يمارسها أكثر من شخصين)  و تعود الطفل على المنافسة المباشرة مع أقرانه على عكس الألعاب الإلكترونية التي تعود الطفل على الوحدة و الانطواء .

و بعيدا عن كل النظريات ، نلاحظ أن جل الألعاب الشعبية التي استمتعنا بها في طفولتنا أصبحت نادرة جدا ، و لا يمارسها إلا القليل من الأطفال إما بسبب ظروف مادية خانقة ، أو لأنهم يجدون فيها متعتهم فعلا .

ونعرض هنا عدد من الألعاب الشعبية المغربية التي لازال بعض الأطفال يمارسونها، و التي نتمنى ألا تندثر أبدا (سيلاحظ القارئ بعض الأسماء الغريبة، و هي أسماء مغربية):

الغميضة: يقوم المتنافسون في هذه اللعبة بالاختباء لمن يقع عليه الاختيار ( عد قرعة عادلة) ، و على  "الباحث" أن يجد المختبئين ، و لكي ينجو المختبئون من أداء دور الباحث عليهم أن يصلوا - دون أن يراهم - إلى المكان الذي يغمض فيه عينيه و يقول بصوت عال "تفونا". أما أول من يوقعه سوء حظه تحت  أعين الباحث، فهو من يقوم بهذا الدور و هكذا .

البلي أو " البمبات ": و هي كرات زجاجية صغيرة ، بحجم حبة الكرز تقريبا، مزخرفة أو ذات لون واحد، و على اللاعب في  هذه اللعبة أن يصيب كرة منافسه بواسطة كرته و بطريقة رمي خاصة يستعمل فيها السبابة و الإبهام  فقط ، ثم يدخلها - الكرة - في حفرة يتم إعدادها خصيصا للعبة ، فيكسب بذلك كرة زميله .

اللولب أو " الطرومبة ": و هي قطعة خشبية مخروطية الشكل تنتهي في آخرها برأس معدني حاد يسمى " النبال "، و لاستعمالها يقوم الطفل بلف خيط خاص عليها  بطريقة دائرية انطلاقا من  " النبال " حتى آخرها ، ثم يقوم برميها لتدور بسرعة كبيرة ، و هناك عدة طرق للممارسة الجماعية لهذه اللعبة.

العدو  أو " الجري ": وتحتاج إلى عدد يفوق الثلاثة من المتنافسين ، حيث يتم اختيار واحد - دائما بالقرعة - ل" يلاحق "  الآخرين ركضاً ، و من يمسك به أول يكون عليه القيام بالدور ، و هي أيضا تمارس بطرق متعددة .

الحبل أو " اللاّستيك ": و هي لعبة أنثوية محضة ، تمارسها الفتيات و تقمن أثناءها بالقفز على حبل مزدوج بطرق عديدة ، ومن النادر جدا أن يمارس الأطفال الذكور هذه اللعبة .
 

هذه بعض الألعاب التي بدأت تختفي تدريجيا من مجتمعاتنا العربية  و قلما نشاهدها في شوارعنا أو حتى بيوتنا . فالغزو الإلكتروني جعل الأطفال – اليوم - أكثر سلبية و تكاسلا .      

مع العلم أن المتعة التي تمنحها الألعاب الشعبية كبيرة و لا تضاهيها متعة أخرى حتى و لو كانت من صنع شركات عالمية  . لهذا نتمنى - بحنين جارف - أن تعود هذه الألعاب إلى بيوتنا ، فضجيج الأطفال و صراخهم أكثر حميمية من تلك الأصوات المعدنية التي تصدرها الألعاب الإلكترونية . لكن هذا لا يمنع - طبعا - من تخصيص وقت لهذه الألعاب لمتابعة التقدم التكنولوجي ، و إلا دخلنا - من جديد - في دوامتنا الأزلية .. دوامة التوفيق بين التشبث بالتقاليد و ملاحقة التقدم العلمي و التكنولوجي.