المرأة "السلعة" تثير حفيظتها

شاعرة النوايا الحسنة هويدا عطا: قلمي سلاحاً أدافع به عن المرأة

عربيات - القاهرة: محسن حسن
صور وفيديو

هي نموذجاً فريداً لامرأة عربية جمعت شخصيتها عنفوان الأنثى وعقلانيتها، وشاعرة مرهفة الحس، شدى بكلماتها مطربون وموسيقيون عرب أمثال لطفي بوشناق ونصير شمة ومدحت صالح. بحثت عن الفن في التراث العربي؛ شعراً ونثراً وأعلاماً، وأحيت بقلمها تاريخ شخصيات كانت في طي النسيان حين ألفت "رجال مبارك بن لندن يتحدثون" ، و"الشرعبي ذاكرة 100 عام"، و"أيام لطيفة" إلى غير ذلك من مؤلفات وكتب حرصت خلالها ألا تغفل اعتبارات الملائمة والمعاصرة. وهي إعلامية حاضرة بما تثيره عبر المرئي والمقروء والمسموع من موضوعات اجتماعية مثيرة للجدل والنقاش والبحث والتنقيب فيما يخصها ويخص المرأة العربية في كل زمان ومكان، بل ويخص المهمشين والمهمشات من ذوي المرض والإعاقة؛ حيث تقرأ لها "إبراهيم .. طفولة لا تعرف الحلوى"، و"أم تقهر صمم أبنائها الثلاثة بمفردها"، هذا وغيره كثير يلقاه المثقف العربي في سجلها الإعلامي والصحفي الواسع.. إنها المصرية "هويدا عطا" الملقبة بـ "سيدة الصحراء"، الشاعرة والإعلامية، وسفيرة النوايا الحسنة بخيمة التواصل العالمية –خيمة حكيم العرب بدولة الإمارات ـ والتي خصّت "عربيات" بأحدث حواراتها حول الجديد والقديم من إبداعاتها وعالمها .  

بداية  ..من أين ابتدأت رحلة الشاعرة وإلام انتهت؟
بدأت رحلتى مع الإبداع فى سن مبكرة؛ فبمجرد عودتى من المدرسة كنت  أحضر على الفور كراسة الرسم وقلم الرصاص والألوان وأفترش بهم أرضية شرفة بيتنا، وأبدأ بالرسم، فقد كان للمشهد الرائع والذي يقع مباشرة فى اتجاه بيتنا بمدينة جرجا العريقة بمحافظة سوهاج مقراً للحكم العثماني في أوج فترات حكمه، مشهد تمتزج فيه ألوان الطبيعة من جبال "صفراء" ومياه النيل الزرقاء وأوراق الغيطان الخضراء والملونة، وكان لهذا المشهد الأثر الكبير في خلق موهبتي الأدبية.
 
هل لعبت المرأة دوراً ما في حياتك الإبداعية؟
بالتأكيد؛ فحضن أمى الحنون وصوتها الدافئ كان يملأ المكان ويبهج الحياة بشكل عام، بجانب حسها الفني والأدبى الراقي وإن كانت لم تكمل تعليمها، إلا أنها كانت ماهرة جدا فى سرد حكاياتها القديمة، ولم أكن أجد مفراً من الاستسلام لها  ولخمائلها السحرية التى تأخذني إلى مواقع الحدث وتاريخه، علاوة على هذا فهى كانت تستحق وبجدارة أن تلقب بالأم المثالية لما لاقته من شقاء شديد فى تربيتنا والإصرار على تعليمنا والوصول بنا إلى بر الأمان، فى وسط مجتمع قبلي كان يتحدى بشراسة تعليم الفتاة ويعتبره عاراً آنذاك.


ما الذي يثير حفيظتك بشأن المرأة العربية؟
ما يثير حفيظتى أنها لا تستغل القوانين والتشريعات الممنوحة لصالحها، فتسمح لنفسها أن يساء استخدامها  كسلعة مستهلكة ومثيرة ومستفزة فى الإعلانات التليفزيونية الرخيصة والتى تظهر مفاتن جسدها كأداة إغرائية لشراء المنتج، وأيضا استسلامها للاستغلال الغير أخلاقى من قبل منظمات الإتجار بالبشر، إلى جانب خضوعها الشديد للمظهر الشكلى الزائد عن حده... مما يؤدى بها إلى سوء فهمها وبالتالى التجرؤعليها.. وإثارة نظرة الاستخفاف بها، ثم تأتى فتشكو!

 
ما المشكلة النسائية التي ترينها عالقة في عنق الرجل ويجب عليه الوفاء بها؟
ظلم المرأة وعدم احترام عقليتها أو منحها فرصة التعبير عن نفسها، وعدم قدرته على تجاوز فكرة "سي السيد"، متجاهلاً أن المرأة تملك عقلا مثله يفكر ويبدع، وكل ما يحدث دوما من مشكلات مستعصية بين الرجل والمرأة يحتاج إلى حل فورى، وعلى الرجل أن يتذكر أن  آخر ما أوصى به رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو المرأة فى خطبته بحجة الوداع "استوصوا بالنساء خيرا" .
 
ما الذي جنته حملتك "الأيادي البيضاء" دفاعاً عن المرأة وحقوقها؟
سلطت الضوء على المرأة ودورها فى كل الأماكن وخاصة النائية منها.. وأظهرت إنجازاتها على كل المستويات المختلفة بالمجتمع، وما تلك الحملة إلا نور أطل على بصائر النساء العربيات في كل مكان تواجدن به وأفرد ظلاله على ما يقمن به من العمل المتميز.

وهل كان لتلك الحملة تركيز ما على أوجه إبداع المرأة بصفة عامة؟
 نعم بالتأكيد، فحملة الأيادي البيضاء تتبنى الدرر الإبداعية المكنونة  لفتيات ونساء لم يجدن الوسيلة المناسبة والأيادي المساعدة لإظهار هذه المواهب وتلك الإبداعات الخضراء، بل وتهتم كذلك بالأمومة والترقي بفلذات الأكباد إلى مستويات علمية وثقافية يرضى عنها المجتمع، حتى يكونوا بمثابة ثمرات يانعة نافعة نفتخر بها جميعا، والحمد لله من خلال عملي الإعلامي شاركت ولو بجزء يسير في خدمة المرأة العربية وخاصة النساء المتميزات  في دولة الإمارات وكان بعضها بمثابة اكتشاف.

ما الذي يعنيه كونك "سفيرة للنوايا الحسنة"؟
كونى سفيرة للنوايا الحسنة بخيمة التواصل العالمية بدولة الإمارات، يعنى الكثير بالنسبة لي، خاصة بعدما لاقيته من المحبة والتقدير على أيدي من اختارونى لهذا اللقب والعمل، لذا فإن هذا الاختيار يحملنى مسؤولية مضاعفة، أولها  أن أكون عند حسن الظن ، وثانيها أن أعكس صورة مشرِّفة لبلدى مصر، وأعمل على تكريس التواصل الإنسانى الإيجابي بين البشر، فى رحاب هذه الخيمة الخضراء.

ماذا عن الوجه السياسي لـ "هويدا عطا"؟
أنا لا أنتمي إلى أي أحزاب سياسية.. فقط أنتمي إلى الطيبة والمحبة والتسامح والأخلاق والآداب والتقاليد التي أوصى بها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وإلى كل من يمسح دمعة حزينة ويطفيء حر ظاميء ويشبع نفساً جائعة، أو يسعد النفس الإنسانية الحائرة في كل زمان ومكان، فإذا ما تحققت كل هذه الأسس الرحيمة ستمحو الصورة المشوهة للصراع السياسي بين الدول، وما يؤدي بها إلى حروب ومهالك لا يجني إنعكاساتها إلا بسطاء الناس والمهمشن منهم.

 

عشقي للتاريخ والصحراء يأسرني

أي دواوينك الشعرية تعتبرينه نقلة نوعية في شعرك؟
بالتأكيد ديوانى الأول "الطرف الآخر من العتمة" وهو أول ديوان نثري، كان النقلة الأولى والنوعية بحياتى الشعرية لما حواه من فلسفة شعرية نالت إعجاب الكثير من الشعراء والأدباء ومنهم الشاعر الكبير الدكتور حسن طلب  والشاعر المبدع الصديق أحمد الشهاوى والشاعر القدير نصارعبدالله وغيرهم.

حالياً، ما الذي يشغلك على مستوى الكتابة والتأليف؟
أنا الآن بصدد إصدار كتابين؛ الأول أدبى وهو "شرفة الياسمين" والذى يضم مجموعة مقالاتى الأدبية التى نشرت بمجلة "المرأة اليوم"، والثاني كتاب سيرة تاريخية يحمل اسم "أيام الفيروز" وهو عن الشاعر الإماراتى الراحل "جمعة الفيروز" وتجربته الشعرية والإنسانية المؤلمة وهو من أهم شعراء الإمارات، وسأحاول أن ألملم وريقاتى الشعرية المهترئة حتى لا تندثر تماما فى ديوان ثالث "للقصيدة النثرية" قريباً إن شاء الله .
 

 

 

 

كتابك "عابروا الربع الخالي" يشي بحب عميق للتراث القديم، فهل لك أن تحكي لنا عن هذه العلاقة؟
نعم، أعشق التاريخ وكل ما يمت للقدم بصلة، أو كل ما أشتم به رائحة الماضى الجميل وعبق القصص والحكايا الإنسانية والتاريخية المؤثرة، وهذا عشق يتملكني حتى النخاع، وأجد فيه بغيتى ومادتى الإنسانية الدسمة التى تأسرني فلا أستطيع الخروج من حبائلها وإغرائها، وللعلم أنا ايضاً عاشقة للصحراء متلهفة دوماً لكشف عالمها وإغوائها الوسيع، والحمد لله عقدت صداقات جميلة مع أهل البدو من شيوخ القبائل  ونسائها، حتى أنهم لقبونى بـ "سيدة الصحراء".
 
لماذا اخترت عنوان "واه يا غلبي" الدال على مزيج من التهكم والسخرية والألم .. عنواناً لديوانك عن الثورة المصرية؟

و كان فى الأصل يحمل الآهة باللهجة المصرية ولكن شاء صديقى العزيز الشاعر "محمدعيد ابراهيم" وأيضا الروائى العزيز "إبراهيم عبد المجيد" صاحب "بيت الياسمين" الذى صدر عنه الديوان، أن يمنحاه الحرقة والآهة الصعيدية التى تعبر بالفعل عن كل ما جاء به من إحساس وعشق ومحبة وامتعاض وكره ونقد وسخرية لهذا العالم الذى نحياه ولا يروق لنا أحيانا، فيقذفنا بكل ما أوتى من قسوة وغلظة وإيذاء.

هل تتفقين مع الرأى القائل بأن المرأة العربية أسرفت كثيراً في شعر الحب والرومانسية في الوقت الذي أهملت فيه قضايا أكثر أهمية؟
بالطبع لا، فليس كل المبدعات كذلك، وهناك بعض الأسماء الشعرية النسائية المعروفة، التي تغنت بألم ووجع الأوطان، خاصة في الأحداث التي نمر بها اليوم والتي تدفع القلب والإحساس للكتابة عن كل ما تحويه هذه الأوجاع والآلام وبكاء القلب الدائم على الوطن المليء بالجروح والجبهات المفتوحة على أفواه الأعداء المتربصين كالذئاب للانقضاض على الفريسة.

لماذا في رأيك تفر المرأة العربية من الشعر إلى الرواية في الوقت الحالي؟ وهل نحن في زمن الرواية فعلاً؟
سيبقى الشعر ديوان العرب ولسانها، وهذا لا يمنع أبداً من أن تكون للقصة القصيرة والرواية ثوبها ورونقها الخاص، وربما تكون الرواية قد وجدت من يهتمون بها ويصنعون لها مقاماً عالياً من التقدير والتكريم؛ لذا اتجهت بعض الأقلام إلى كتابتها، رغم أن كثيراً من تلك الأقلام ربما يكون مؤهلاً أكثر لكتابة الشعر وليس الرواية أو القصة، ومن ثم يكون الاتجاه لكتابة الرواية أحياناً هو نوع من التغيير والهروب من رتابة وملل الاقتصار على ممارسة جنس أدبي واحد، وعموماً  فلن يتغير أبد الآبدين ثوب الإبداع لونا ورائحة وحسا وإشعاعا، طالما هناك قلوب تنبض بالمحبة والإحساس والشعور، وتلك الأجناس المختلفة لابد أن تأتى بإبداعات مختلفة.

لعلاقة الثقافية بين مصر والسعودية بحاجة للإرواء


إلى أى مدى تربطك علاقات بالحركة الأدبية لشاعرات المملكة العربية السعودية؟
نلتقى بمحبة الإحساس على طاولة الإبداع المزهرة بكل الألوان من هنا وهناك، فتصبح فرصة "لتقافز" ما تسكنه قلوبنا من محبة وما يشغل عقولنا من شغف بالكلمة والبوح بها لتنطلق فى بهاء إلى أذهاننا، ومشاركاتي متكررة مع شاعرات المملكة فى الفعاليات الثقافية المختلفة.

ما تقييمك للعلاقات الثقافية بين مصر والسعودية في الوقت الحالي؟
تحتاج هذه النوعية من العلاقات إلى توسيع الرقعة الثقافية بشكل يبدى للجميع فرصة الالتقاء التنويرى والفكرى، ويترك بصمة وارفة بين البلدين، وإن كان هذا موجوداً لكنه في حاجة ماسة إلى مزيد من  الارتواء.

بصراحة، هل لمست فارقاً وجدانياً  في البيئة الشعرية والأدبية الحاضنة بين الإمارات والقاهرة؟
قديما ربما كان الفارق واسعاً لكنه اليوم قد تضائل، وباتت الثقافات تأتى إلى دولة الإمارات من كل حدب وصوب، لأنها تحتضن كل المهارات الإبداعية وتكرمها، خاصة في ظل جائزة الشيخ زايد للكتاب التى ذاع صيتها، ولا شك أن مصر الحبيبة فعلت هذا في قديم العقود، لذا لا تفارقنى "أزقة" الحسين القديمة التى هى زادى وترحالى للكتابة، والتى ربما تضيق فى بعضها فتتسع لك بمحبة الزمان الذى عاشته وتعيشه، ولكم أظل أعشق الجنوب الحزين "الصعيد" بكل ما فيه من فطرية طبيعية عجيبة ترغمك على العشق الأبدي  بلا هوادة.

في الختام هل أنت راضية عن حال المرأة المصرية شاعرة وكاتبة ومواطنة؟
بالتأكيد ليس كل الرضا، وخاصة عن حال المواطنة العادية التى تشقى شقاء الأمرّين في حياتها، فلا تجد حتى وقتا للابتسامة، فالمراة المصرية هى وجعى وألمى، ودموعى التى أذرفها عليها أطل فى ثنايا وجهها الذى ملأته التجاعيد غلبا وفقرا وقهرا، وأشتمُّ رائحة تحملها ما لا تطيق، فأكره هؤلاء الذين أرغموها على تحمل قسوة الظروف اللا إنسانية، لكن عزائي الوحيد أن المعركة واحدة، فربما نجد فى قلم الشاعرة والكاتبة سلاحا يدافع عنهن جميعا.