يستعد لاصدار رواية مستوحاة من فيسبوك

الروائي أمير تاج السر: الأدب موهبة شقية وشهادة لمزاولة "الثرثرة"

عربيات - القاهرة: محسن حسن
صور وفيديو

حينما تعرف أنه باع ساعة يده من أجل تمويل نشر أولى رواياته "كرمكول"، تدرك مدى شغفه وعشقه للأدب والكتابة. وحين تعرف أنه طبيب باطني متميز، جمع بين مهنة الطب ومهنة الأدب، تقف على مدى ما تمثله تجربته الإنسانية من إحساس جامع وإدراك متكامل بآلام الناس وآمالهم، وحين تفتش في سيرته الذاتية، فتعرف أن رحلته مع الاغتراب عن حضن الوطن قد بدأت منذ بلوغه العقد الثاني من عمره تقريباً وحتى كتابة هذه السطور، لا يسعك إلا أن تعترف له بعمق المعاناة والمثابرة، وبقدرته الخلاقة على إثبات جدارته الإبداعية والعلمية والإنسانية، وانتزاع تلك الجدارة من براثن أوجاعه الخاصة والعامة رغم ما واجهه من عقبات وصعاب.. إنه الطبيب والشاعر والروائي السوداني "أمير تاج السر"، عربيات أجرت معه هذا الحوار.

بم ينشغل أديبنا هذه الأيام؟ 
لدي رواية غريبة بعض الشيء فيها مزج بين السيرة، وعلم الباراسيكولوجي والتخاطر، استوحيت فيها من أدوات معاصرة مثل الفيس بوك وغيره، وبدأتها  منذ عدة أشهر لكني لا أجد الوقت لإكمالها بسبب الأعباء الكثيرة، وإن كنت قد قطعت شوطاً طويلاً في كتابتها ولم يعد بالإمكان تركها. اسمها "أمنيات الجوع" وربما يتغير هذا الاسم. وأعتقد أنها تجربة جديدة لي ومختلفة عن بقية أعمالي.

كيف جاء التحول من الشعر إلى الرواية؟ وهل كانت هناك أسباب لذلك؟ 
أنا من بيئة "حكائين"، فنحن نحب الحكي في الأسرة وكثيراً ما سمعت قصصا تروى شفاهة أشبه بالروايات وقد استخدمت الحكي في الشعر وذكرت كثيرا أن الكاتب الراحل العظيم "عبد الحكيم قاسم" ــ وكان صديقي أيام كنت أدرس في مصر ــ نبهني إلى أن شعري مملوء بالحكي، وأنه يمكنني أن أستغل ذلك في كتابة رواية، وهذا  ما حدث بالفعل حين كتبت روايتي الأولى"كرمكول" ونشرتها برغم الصعوبات ولعلك تعرف قصة الساعة الروليكس التي رهنتها مقابل نشر هذه الرواية.

الرواية أصبحت بوابة الكتابة

الآن كيف ترى مستقبل الشعر في العالم العربي قياساً بمستقبل الرواية؟
قلت من قبل إن الشعر قضي عليه تقريبا بعد أن أصبح مطية لبعض الوقت، منها يلج الناس إلى الكتابة، وشخصيا أقرأ لبعض الموهوبين وسط هذا الزحام الهائل، فما زال هناك من يكتب بموهبة، إضافة للشعراء الراسخين في المجال أمثال "محمد سليمان" و"الشهاوي" و"عبد المنعم رمضان" وغيرهم من الشعراء العرب، وأصرح بأنني من عشاق تجربة "محمد سليمان" وهو أستاذي حقيقة في الشعر. الآن جاء الدور على الرواية، فقد تحولت فجأة إلى باب الدخول للكتابة، أصبح كل من يبدأ الكتابة، يكتب رواية، وكنت قد أشرت في شهادة لي في القاهرة إلى شيوع ثقافة "الألف دولار" التي تدفع لبعض دور النشر، بغض النظر عن جودة النص من عدمه. الآن أعتمد في قراءاتي للرواية على تدقيق كبير، وعلى الكتاب الذين أعرفهم سلفا وأتفاعل مع كتابتهم.
 
هل تلمح رابطاً ما بين الطب والشعر والرواية في حياتك الأدبية والشخصية؟ 
لا يوجد رابط مباشر على الإطلاق، الطب دراسة شاقة تنتهي بشهادة وتأتي مزاولة المهنة بعد ذلك، والأدب موهبة شقية في البداية تتحول إلى عشق وشهادة نزاول بها الثرثرة.

أولى رواياتك "كرمكول" كان لها مناخ مثير ومختلف حين صدورها، كيف صدرت هذه الرواية؟ 
كنت عالقا بالشعر حين كتبتها وبالتالي كانت محتشدة بالصور الشعرية حتى في بناء النص، كتبتها في نحو شهر ونشرتها بعد ذلك بصعوبة كما ذكرت لك ، كنت أطوف على دور النشر المختلفة في القاهرة ولم يرض أحد بنشرها سوى الشاعر الراحل كمال عبد الحليم ولكن بشرط أن أمولها، ومولتها من تلك الساعة الغالية المهداة من والدي.
 
هل تعتبر رواية "صائد اليرقات" نقلة نوعية في أسلوب الكتابة الروائية لديك؟ وما المختلف فيها؟
هي رواية أتت بعد عدد من الروايات المهمة في نظري مثل "مهر الصياح" و"توترات القبطي" و"العطر الفرنسي" وكانت داخل أسلوبي الذي كان قد برز في "مهر الصياح" عام ٢٠٠٢، و"صائد اليرقات"  فكرة من الأفكار التي تخطر ببالي وأكتبها. ودائما ما تختلف كل رواية في فكرتها عن الأخرى، الشيء الوحيد الذي خلق لها تلك القاعدة العريضة من القراء، هو أنها ترجمت لعدد من اللغات، كما أنها كانت مرشحة بقوة لجائزة "البوكر" العربية، ووصلت حتى القائمة القصيرة.

انفصال جنوب السودان قاصماً للظهر

إلى أى حد أنت مهموم في كتاباتك الروائية بوحدة السودان وتاريخه؟ 
طبعا مهتم بالكتابة عن بلدي، وقد كتبت عن السودان بحلوه ومره، باستقراره وعدم استقراره واستوحيت أعمالا من تاريخه، وجغرافيته ومجتمعه الذي أعتبره حتى الآن مجتمعا متماسكا إلى حد ما برغم الأزمات كلها. طبعا كانت مسألة انفصال الجنوب قاصمة للظهر خاصة بتأثيرها على اقتصاد البلد، ولكن كان شيئا متوقعا في النهاية، كون الجنوب يختلف تماما في طقوسه وقبليته عن الشمال. كان الناس يحاولون الحياة معا بالتعايش ويبدو أنه لم يعد ممكنا. وقد كتبت رواية "رعشات الجنوب" كقراءة مبكرة لهذا الحدث قبل أن تظهر إرهاصاته بجدية.

كيف ترى الدور السياسي للرواية العربية؟
الرواية دائما ما يقال عنها إنها قراءة للمستقبل والأوضاع السياسية تدخل في المستقبل كما هي موجودة في الحاضر والماضي، حقيقة لا أحب الكتابة المباشرة وتسمية الأشياء بمسمياتها ورأيي أن الرواية حتى لو كانت تنتقد وضعا معينا أو تروج لوضع محتمل، ينبغي أن تكتب بفنية، لأن القارئ يحتاج لأدوات فنية تبقيه داخل النص بعكس الصياح الحاد الذي ربما يبعده عن القراءة. 

لن تقترب منا نوبل بعد محفوظ

لماذا لم تفرز البيئة الروائية العربية جوائز أخرى لنوبل بخلاف نجيب محفوظ؟ 
جائزة نوبل هذه شأن يخص الغرب في المقام الأول ولا حيلة لنا نحن العرب حتى بمجرد النظر إلى مطبخها، لقد كان محفوظ سارداً عبقرياً واستحقها بالفعل، وهناك كثيرون يستحقونها منهم من مات ومنهم من  لا يزال يبدع، ولا أعتقد أنها ستقترب منا مرة أخرى مهما فعلنا، ورأيي هو أن يرسخ العرب جائزة مماثلة لنوبل في القيمة المادية والمعنوية، تمنح للمبدع العربي الذي يستحقها.

عندما تلتقي مجموعتك الشعرية الوحيدة، هل تحن إلى كتابة الشعر من جديد أم أنك مكتفٍ بشاعريتك الروائية؟
لا أعتقد أنني مؤهل لكتابة الشعر مرة أخرى بشكل منفصل عن الرواية التي وجدت فيها تميزي بعد أن كنت مجرد عازف عادي داخل أوركسترا كبيرة بجانب عازفين بعضهم أمهر مني. لكن أكتب قصائد أحيانا داخل الروايات مثل رواية "زحف النمل" التي كتبت فيها أغنيات بطلها المغني "أحمد ذهب". 

البعض يصنفك ضمن مدرسة الواقعية السحرية في الكتابة الروائية، ما تصنيفك الخاص؟
لا أعرف حقيقة، ربما كانت واقعية سحرية بالفعل، وربما واقعية شعرية نزعت فوضاها بالسرد، وربما واقعية عادية مع شيء من الغرائبية. حقيقة يقول معظم النقاد إنها واقعية فنتازية وأنا أسعد بذلك . 

كيف ترى موقع المبدع العربي من النخبة في عالمنا العربي؟
الآن المبدع ليس له مكان جغرافي محدد وما قدمته النخب في الماضي لم يعد صالحا لقراءة العالم الآن. شخصيا أفضل أن أكون كاتبا في إطاري الشخصي وليس مضافا لأي تيار أو محسوبا على جهة، وقد اشتغلت على مشروعي وحدي سنوات ولم يقدمني أحد في بداياتي.