استراتيجية وفوائد

الحكاية الشعبية الحجازية في محاضرة للدكتورة لمياء باعشن

عربيات

ضمن فعاليات مهرجان جدة للسياحة استضافت الغرفة التجارية محاضرة مشوقة للدكتورة/لمياء باعشن أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة الملك عبدالعزيز وصاحبة كتاب(التبات والنبات)والذي جمعت فيه واحد وستين حكاية شعبية من الأدب الحجازي بلسان سيدات سعوديات حجازيات يتمتعن بذاكرة جيدة عامرة بأشكال تعبيرية للنمط القصصي الذي كان متداولاً في حقبة زمنية معينة في تاريخ مدينة جدة....وبالرغم من أن تخصصها في الأدب الإنجليزي إلا أنها تميزت في رواية التراث القصصي العربي واستندت إلى خلفيتها وتمنكنها من الحبكة في الصياغة والتحليل والعرض فقدمت لنا عمل يعد مرجع للباحثين واحياء للأدب القديم والقالب الذي كانت تحكى به القصص.....نترككم مع مقتطفات من محاضرتها وكتابها المتميز...

 الحكاية الشعبية
الحكاية الشعبية folktale تنصرف الى ادب العامية التقليدي الشفهي مجهول المؤلف او ما يسمى( بالادب الفولكلوري) المتداول باللغة العامية والدافع الاساسي وراء تجميعها وتدوينها في اشكالها اللغوية المستعملة في حينها هو المحافظة على هذه التحف النادرة كشواهد عيان على حقبة تاريخية معينة تتحدث بلسانها وتنقل احاسيسها وافكارها وتقاليدها بلغتهاالمتميزة ويرى محللوا الروايات الشعبية ان بناءها اللغوي هو مفتاح لحقائق نفسية عميقة وعلامة ثراء معرفي غزير ومؤشر لانماط فكرية معقدة تميزت بها امة معينة تظهر جميعها بطريقة عفوية في البناء الروائي الداخلي لذا يرى المحللون ان التسجيل الوصفي والذي يحافظ على الصيغة الشفاهية في حالتها الاصلية يجب ان يتبع في عملية احياء النصوص التراثية كما ويرفضون بشدة التسجيل الكتابي والذي يحافظ على البنية التركيبية للحكاية تبعا للقاعدة الكتابية المتفق عليها مما قد يطمس المعالم المتفردة للنص النقي.

 

أهداف تسجيل الأدب القصصي الحجازي
ًفالهدف الأول هو إنقاذ هذه التحف من الضياع خاصة وأن هذه الحكايات لم تعد متداولة والذاكرة التي تحملها شارفت على الإنقراض . وعملية الإنقاذ هذه تستوجب تدوين النصوص دون تغيير حسب قانون "الحق الذاتي للحكاية" الذي أوصي به العالم الفولكلوري أندرسون (Anderson) موضحاً أن صلابة القوانين الشكلية للحكايات وضيق إطارها هو سر قوتها وبقاءها . وتحدد نظريات سابير و وورف (Sapir - Whorf) العلاقة بين الحضارة واللغة فتقول بأن التعرف على الأسس الحضارية لأفراد أي مجتمع تتم ببساطة عن طريق تحليل مواده اللغوية . كما يقول (Ward H. Goodenough) في مقاله مهمة نشرها في الخمسينات أن الحضارة الإنسانية ليست ظاهرة مادية ، بل هي أشكال الأشياء التي يحملها الأفراد في عقولهم من نماذج للإدراك والتواصل مع العالم المادي . والكلمة المنطوقة في المنهج اللغوي الإثنوغرافي ترتكز على المعرفة الإجتماعية والنحوية فتوثق تركيباتها الناتجة عن المواضع الكلامية الطبيعية العلاقة بين اللغة والسياق الإجتماعي .ومن الأمور المهمة التي إستنبطتها الأبحاث العلمية المعاصرة لمعالجة النصوص القصصية الشعبية هو أن المحافظة على الصيغ الشفاهية الأصلية يساعد على تحديد معالم شخصية الراوي أو الحكواتي الذي هو فرد من نفس المجتمع ، ودراسة مصادر ملكته الروائية التي تمكنه من التحكم في الأداة اللغوية لملاءمة أمزجة السامعين وشد إهتمامهم كما وتمكنه من إرسال الكلام وتقمص أدوار الشخوص وإتقان لهجاتهم المحلية (Dialect) ومن سرد الأحداث في تواليها التسلسلي وتنقيحها بالأشعار والأمثال المناسبة للإستدلال والإستشهاد . هذا وقد أصبحت مقدرة الحكواتي في السيطرة على الكلمات وتطويعها موضع دراسة مكثفة يتولاها الرعاية المركز الفولكلوري الأمريكي وذلك بإقامة مهرجان سنوي يدعي إليه أصحاب هذه الملكة الفريدة لتحليل الطبقات الواعية واللاواعية لعقولهم حتى تنقل فنونهم السردية إلى أجيال لاحقة .وبما أن التركيبات الشفهية (Oral - Formulaic) في الحكاية الشعبية هي شكل من أشكال التعبير الأدبي مصاغ بطريقة فنية خاصة ، فإنها تفتح مجالات واسعة لدراسات مقارنة شيقة بين حكايات الشعوب . فالبنية الحدثية للحكايات متشابهة في كل الحضارات ولها أصل ثابت في كل المجتمعات . إلا أن المساهمات والإضافات المحلية في كل فترة زمنية لا تتضح معالمها إلا من خلال الصيغة الأصلية للنص النقي . ومن أجل تحديد هوية سعودية حجازية ترادف الهوية العربية والهوية العالمية ، ومن أجل توضيح الأبعاد المحلية لهذه الهوية المتفردة وكشف القيم الثقافة المدفونة في طياتها ، فإنه من الضروري بعث هذه الحكايات من مرقدها في شكلها الخام حتى يتم إعتمادها كمصدر أصلي مهم من مصادر دراسة منطقة الحجاز في القرن الرابع عشر الهجري ومعرفة ونوعية الحياة التي كان يعيشها الناس آنذاك ودور الرواة والحكواتيين الذين أثروا مجالسهم ومسامراتهم . فالجمهور المتلقي عادة لا يكتفي بالإستقبال السلبي فقط بل إنه عادة ما يشارك إيجابياً ليصبح أداة رئيسية في تحليل النصوص لأنه طرفاً فعالاً في عملية إختيار النمط القصصي والخط الدرامي الملائم لذوقه والمقارب لتفكيره والمحبب إلى نفسه . إذاً فمكونات الشكل التعبيري للحكاية الشعبية تلقي الضوء على الظروف التي ولدت وعاشت فيها وتقدر مكانتها في الحياة اليومية التي عاشها الناس في حقبة زمنية محددة . وهذا هو ما ينص عليه المنهج البنوي الذي يهتم بتوصيف العلاقة ما بين البنية التركيبية لنموذج النمط القصصي الواحد وبين الإجتماعية التي تولدت عنها،هكذا وبعد أن تنتهي مرحلة إستعادة النص الأصلي للحكاية الشعبية بطريقة علمية أنثروبولوجية بحتة تزيح التراب من فوق الآثار المندثرة ، تأتي مرحلة الرجوع إلى هذا التراث كنبع متدفق للإغتراف منه سواء كان ذلك بالتحليل والدراسة أو بالنقل والتجديد . وتتعدد الأطر العلمية التي تتناول هذه الحكايات الشعبية بعد إكتشافها لما لها من مدلولات تاريخية واجتماعية ونفسية وإقتصادية ودينية وجغرافية وأدبية وحضارية ، فهي مادة تراثية غنية تهم أي دراسة علمية متخصصة ، خاصة تلك التي تقوم بها المدارس اللغوية (Linguistics) و (Stylistics) التي تعني بتحليل الطرق المستعملة في السرد وفي إختيار الألفاظ بذاتها وفي تكرارها وإعادتها ، وكذلك بترشيح التركيبات اللغوية والكشف عن مدلولات الألفاظ المفردة وعلاقتها بصوتيات الطبيعة المحيطة بها . وعليه فإن كل هذه الجهود العلمية المتخصصة تؤكد ضرورة التقيد بالنص الأصلي والحفظ الدقيق لمكوناته اللفظية . أما الشطر الآخر أي مرحلة الإغتراف من نبع التراث القصصي فهو يسمح بالإضافة والتعديل والترجمة والإقتباس ، ولا بأس حينها من إعادة صياغة هذه النصوص الموثقة بلغة عربية فصحي تستهدف القارئ العربي ، أو بلغة عربية مبسطة تستهدف الأطفال ، أو بلغة أجنبية أو أخرى لإخراجها من الحيز المحلي ، أو حتى إخراجها كمادة إذاعية أو سينمائية لتقديمها بشكل فني مختلف يرتكز على الأصل الموثق .

 

استراتيجيات الحكايه الشعبية
للحكاية الشعبية دور بارز في ترسيخ القيم الأخلاقية باتباعنا لإستراتيجيات محددة منها:
1-التنبيه من خلال التجربة البديلة.
2-تأكيد التمسك بالقيم الإجتماعية القائمة والسائدة حالياً.
3-الدفع نحو الأفضل لتحسين الأوضاع.
4-التعليم بشكل غير مباشر ومسلي.
5-انقسام العالم فيها بشكل ثنائي بين الخير والشر،والثواب والعقاب.
6-الشخصيات الرمزية،فتكون شخصية البطل غالباً محببة وقدوة حسنة.

 

 الراوي
من صفات الحكايا الشعبية وجود الراوي والذي يتميز بالمهارة والقدرة على سرد الأحداث واستخدام لغتين الأولى اللغة المنطوقة والثانية لغة الجسد التي تنطلق بشكل لاشعوري وتعبر عن ذواتنا واتجاهاتنا وهي الأكثر أهمية في العلاقة بين المؤدي والمتلقي،من خلال; وضع الجسم،نبرة الصوت،وتعبيرات الوجه....فتصل الرسالة للمستمع بأقوى صورة.

 

 الحكايا الشعبية والتماسك الأسري
ويجرنا الحديث عن الراوي إلى أهم درس أخلاقي يمكن أن تقدمه القصة الشعبية ألا وهو(التماسك الأسري) فبالرغم من أن القصص الشعبية المروية تكاد تكون انقرضت وللأسف انحصرت محاولات انقاذها بتدوينها لتعيش بين صفحات الكتب بدلاً من أفواه الناس ففقدنا ذلك التواصل الجميل وبقي كذكرى نستشعرها عن قراءة هذه القصص ونفتقد متعتها وفائدتها الحقيقية.وربما يكمن السبب في ذلك بأن حياة الناس قد تغيرت بعد الحضارة التكنولوجية،فأصبحوا أكثر واقعية وابتعدوا عن الخيال وابتعدوا حتى عن بعضهم البعض فنتج عن ذلك خروج الحكايا الشعبية من اطارها العتيق المتعارف عليه ليحكمها قانون التوثيق الكتابي ويقيدها ويقدمها كنصوص من الدرجة الثالثة....

 

أهمية قيام الأهل برواية الحكايا لأطفالهم
يقول أحد المفكرين عن ضرورة قيام الأهل برواية الحكايا لأبنائهم أن ذلك يمنح الطفل الإحساس بالأمان ويعتبر سلوكياته متفقه مع المفاهيم السائدة،ولعل أحد أخطاء الأهل عن روايتهم لهذه القصص هي محاولتهم التفسير العقلاني للطفل واستبعادهم لإمكانيات القصص الخيالية وهم بذلك يحطمون النفس السحرية للقصص التي تهدف لتطوير عقل الطفل وشخصيته وتحرير عقله الباطن.....كما أن الشكل والبناء للحكايا بشكله الأصلي يوحي للطفل بصورة ذات أبعاد مختلفة تمكنه من بناء أحلامه.
ومن هنا ندرك أن لهذه الحكايا دور مهم جداً بالتواصل بين الطفل والراوي وبدلاً من قراءتها من كتاب يستحسن محاولة حفظها ومن ثم سردها وصياغتها بأسلوبنا الخاص لنعطيها مصداقية أكبر ونضفي عليها الصفات الشخصية للراوي....فكم هو جميل أن يشعر الطفل أن والداه لم يشركاه فقط في تلقي الحكايا بل هما مصدرها ونبعها وكأنهما يشركاه في كنز عائلي ويطلعاه على سر متوارث.