في طريقه من الهندسة إلى فنون الطهي

"الشيف" السعودي بدر فايز يخلط المقادير بعواطفه

خاص
صور وفيديو

 لم يكن الطريق بين الهندسة والمطبخ ممهداً، وبالرغم من ذلك لا يرى نفسه شجاعا بدخوله مجال الطهي مبكراً، ومواجهته مجتمع مازال يصنف الوظائف ويخصصها لجنس دون آخر، الطاهي بدر فايز والذي إنشغل عن التفكير في رأي المجتمع بتحقيق حلمه، يرى أن الطعام هو الفن الوحيد الذي يلمس الحواس كلها، ويكشف للقراء من خلال "عربيات" أجندة أحلامه.

 بين الهندسة والمطبخ كان انتقال بدر فايز، ما قصة الانتقال من الهندسة واختيار الطهي؟
حينما حصلت على الثانوية العامة وجدت أن أقرب قسم لميولي هو الهندسة المعمارية، فالتحقت بكلية الهندسة في إحدى جامعات أمريكا، وبعد مرور فصل دراسي وجدت أنه ليس المجال ولا الدراسة التي أبحث عنها والتي أستطيع الإبداع من خلالها. في تلك الفترة كنت أستعيد هواياتي لأكتشف المجال الأقرب إلى نفسي، فتذكرت دخولي المطبخ في سن صغيره لإبتكار الساندويتشات وفكرت في الإنتقال لقسم الطهي.
طرحت الفكرة على والدي الذي رفضها مقترحا انتقالي لأي قسم أخر بغرض الحصول على شهادة جامعية فحسب، وبين رفض والدي واستحالة انسجامي بالهندسة كنت أحصل على دورات في مجال الأعمال، لكن في العام الثاني من الدراسة الجامعية وبعد النتيجة التي حصدتها أبلغت والدي مجددا برغبتي في الانتقال من كلية الهندسة، فوافق على انتقالي لجامعة "جونسون أند ولز" وهي من الجامعات القليلة التي تمنح بكالوريوس في فن الطهي، والتي توفر دراسات متكاملة عن الطهي من التاريخ، لفلسفة الطهي والحسابات، ومنها تخرج العديد من الطهاة، كما أنها تزود خريجيها بالتدريب اللازم لإدارة الأعمال في مجال الطهي، وكيفية التعامل مع فريق العمل والزبائن.

النظام التعليمي ونظرة المجتمع من أسباب عجز الطالب عن اكتشاف ميوله

عدم اكتشاف الميول مبكراً مشكلة يعاني منها العديد من الطلاب، فبعد تجربتك ماهو السبب في ذلك؟
نظام التعليم كان وراء عدم معرفتي للقسم الذي يلائم ميولي، فالنظام  يشتت الطلاب إضافة إلى عدم تفعيل دورالمرشد الطلابي الذي اقتصر دوره على حل مشاكل الطلاب.
كما استغرب المفاهيم التي يرسخها المجتمع عن بعض الوظائف في  أذهان أبنائه ليدفع طموحهم إلى اتجاه مهن محددة كالطب والهندسة ومجال الأعمال حتى يكاد الطالب أن يعتقد أن النجاح ينحصر على هذه المهن، بينما في الواقع الإبداع في العمل موجود في جميع الأعمال، فعلى سبيل المثال مهنة السباك مهنة جيدة ويمكن لمن يعمل فيها أن يبدع سواء من خلال العمل أو التوسع بامتلاك عدد من الورش. لذا أعتقد أن الإنسان لا بد أن يتعرف على موهبته ومهاراته لتطوير إمكانياته وعليه أن يتحدى العوامل المحبطة من حوله.

دخولي مجال الطهي خطوة شجاعة لا تقبل الفشل

تحدثت عن نظرة المجتمع إلى بعض المهن، فكيف واجهتها خاصة وأن البعض يصنف الوظائف وفقاً للجنس "امرأة ورجل"، ومنها مهنة الطهي؟
في الواقع لم أعبأ ولم أفكر في نظرة المجتمع، كنت وقتها أواجه تحدي ولم تتيح لي الظروف فرصة للتفكير في ما سيقال كوني مؤمن بالفكرة ونشغلت عنها بتحقيق هدفي، وأذكر سؤال والدتي لي "ماذا أقول للناس حينما يسألوني عن دراستك؟"، كنت أطلب منها أن تخبرهم بأني أدرس طهي، وهذا لا يعني عدم وجود ردود فعل إيجابية تجاه مجال دراستي، فلقد أخبرني العديد من الآباء أنهم لطالما رغبوا هم أو أبنائهم خوض هذا المجال واعتبروا أنها كانت خطوة شجاعة مني, وفي ذلك الوقت لم أتمكن من فهم ما الشجاعة حيال دخولي مجال الطهي. فردود الفعل هذه جعلتني لا أضع سوى النجاح في أجندتي، وكنت أفكر في تأثير نجاحي على المجتمع الذي يصنف بعض أفراده مجال عملي بالدرجة الثانية، خاصة وأنه سيساهم في تغيير وجهة النظر التي تؤكد أن النجاح حليف المهندسين والأطباء والمحاميين فحسب.


هل لك أن تصف لنا تجاربك داخل المطبخ في المملكة العربية السعودية أو خارجها؟
تدربت في أحد المطاعم المشهورة في مدينة جدة فترة الصيف، وتنقلت بين عدد من الأقسام مثل الحلويات والمأكولات الباردة وغيرها, وكانت ردود الأفعال إيجابية، ولا أنكر إستغرابهم من خوضي المجال لكنني بالرغم من ذلك كررت التجربة مع نفس المطعم بسبب عدم مقدرتي العودة لأمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر إنتظارا للفيزا، وفي التجربة الثانية عمل معي سعوديين منهم من كان على درجه عالية من الحرفية ومنهم من ليس لديه طموح، ومنهم من كان يرغب في التعلم وتحمل المسؤولية، كما عملت في النمسا حيث تتضمن الدراسة تدريب مرتين في السنة، فالأمر باختصاريعود للشخص أولا، وعلى الطاهي أن يكون على قدر من المرونة فمعظم المطاعم تغفل خبرة الطاهي ويبدأ العمل معهه كطاهي مبتدئ ومن نقطة الصفر.

كيف استطعت التأقلم مع الإختلاف في نوعية المطاعم التي تدربت فيها؟
لم تواجهني مشكلة في فلسفه الطبخ لأني تعلمتها في الجامعة, وعند التدريب أحصل على الخبرة لتنمية هذه الفلسفة باختلاف الأطباق والمطاعم.

لايوجد خلطة سرية ولكن موهبة فطرية، و(نفس الطاهي)  مزاجه

نسمع كثيرا كلمة (النفس الحلو في الطهي) و(الوصفة السرية)، فهل هما حقيقة أم مجرد خرافة؟
عملت في عدد من المطاعم وحتى الآن لم أجد ما يسمى بالوصفة السرية أو الخلطة السرية و لا أعترف بها، فالطبخ مثله مثل أي مهنة إن أحببتها يمكنك الإبداع بها. وأنا شخصياً استبدل مفهوم الوصفة السرية بالموهبة الفطرية والتي هي سر الإبداع, بينما أعتقد أن كلمة (نفس الطاهي) يقصد بها تفكيره، كون الطهي خلطة لا تقتصرعلى مكونات الطعام بل تتجاوزها إلى مزاج الشخص وتفكيره أثناء إعداد الوصفة.

هل تؤمن بصحة مقولة أن الرجل أكثر مهارة من المرأة إذا احترف الطهي؟
لا أعتقد أن هناك فرق، فمن مميزات الطهي أن مشاعرك تظهر في تحضير الطعام وتقديمه كونه يحتاج إلى العواطف.

هل تستعد نفسيا يوميا للطهي؟
بالرغم من أنه عمل مرهق إلا أني أجد راحتي داخل المطبخ.

مطعم أحلامي يمتزج فيه الماضي بالحاضر

ماهي خطوتك القادمة في هذا المجال؟
أقوم في الوقت الحالي بدراسة للسوق كوني أعمل على إفتتاح مطعم خلال هذه السنة بمشيئه الله، وأجد أن السوق في الفترة الحالية يحتاج لعدد من المطاعم التي تتميز بخدمة جيدة وقائمة طعام متميزة، ففلسفتي تتعدى حد إطعام الزبون، ومن أولوياتي أن تكون الخدمة سريعة وأجواء المطعم مناسبة ومريحة. فمن خلال دراستي لمست أهمية التدريب المستمر للعاملين مما يساعد على رفع الكفاءة وتقليص الأخطاء، والليونة والمرونة مطلوبة في مجال الخدمة، كذلك التخصص مطلوب للمطعم حتى يتميز، و هذا لا يعني أن المطعم لا يمكن أن ينجح إلا بذلك، فهناك وسائل كثيرة يمكن بها إرضاء الزبون و تحويل التجربة السيئة إلى ناجحة.

مطعم أحلامك كيف سيكون؟
سأخلط مكونات من الماضي و الحاضر ليتشكل بها مطعم أحلامي.

على ماذا تندم؟
على الوصفات التي ابتكرتها و نسيتها.


قائمة الطعام التي ستقدمها تقليدية أو مبتكرة؟
لم أحدد بعد ماذا سأقدم، لكن مشكلتي مع قوائم الطعام في السعودية أن العربي فيها يختلف عن الإنجليزي، مع أن لغتنا العربية ثرية بالمفردات الجميلة, و يمكن تلافي هذه المشكلة بعدم كتابة تفاصيل الطلب ويُكلف النادل بشرح مكونات الطبق و طرق طهيه.

ماهو طبقك المفضل؟
جميع الأطباق التي أبتكر مكوناتها وأنجح في إعدادها.

هل يستطيع الطاهي معرفة مكونات الأطباق بمجرد تذوقها كما يشاع؟
يتحقق ذلك في كثير من الوصفات، ولكن هناك أنواع مختلفة من الطعام كالصيني يستخدم فيه أنواع كثيرة من الزيوت والبهارات التي لا يمكن معرفة أنواعها بسبب عددها الكبير، بالإضافة إلى بعض الأطعمة المعقدة فعلى سبيل المثال أذكر أنني لم أتمكن من معرفة مكونات الأطباق في مطعم بأسبانيا إلا بنسبه 5%.

باعتقادك ما سر نجاح المطاعم الشهيرة؟
أعتقد أن البنية التحتية للمطعم ونظام الأسعار وأسلوب التعامل وجودة الطعام وإبتكارالأسلوب الجديد المناسب لموقع المطعم كل ذلك يشكل خلطة نجاح المطاعم الشهيرة.

كونك تحترف الطبخ هل لمست تخوف البعض من دعوتك إلى طاولة طعامهم خشية من حكمك عليها؟
لا أنكر ذلك، كثير من الناس يتخوفون من دعوتي وبالعامية (يشيلوا هم عزومتي) مع أنني أستمتع بالصحبة ولا أُبدي حكمي على الطعام إلا إذا طُلب رأيي بإلحاح.

في المطعم هل تنتقد الطاهي؟
أحيانا، وذلك عندما يُكتب في لائحة الطعام أن الطاهي سيقدم طبق خاص وعندما أطلبه أجده لا يمت بصلة إلى الطبق الذي طلبته، أولا يكون على المستوى المطلوب.

بالنسبة لك ما هو أصعب طبق؟
حلوى "السوفليه" فهو طبق  صعب، والكثير يدعون إتقانه دون أدنى معرفة بذلك، فلقد جربته في العديد من المطاعم ووجدته أقرب للحلوى التركية منها إلى "السوفليه".

هل تواجه حرج عندما يطلب منك أحدهم وصفة لطبق أعددته؟
لا، فكثيراً ما أواجه هذه الطلبات وليس لدي أي مانع في إهداء وصفات أطباقي.

ما هو رأيك في كتب الطهي المتوفرة في السوق؟
العديد من الكتب تحديدا العربية وضعها مريع بسبب عدم الدقة في الوصف، فمؤلف الكتاب يتعامل مع القاريء و كأن له خبرة كبيرة في الطهي، والمقاديرلا تكون دقيقة ولا توجد معايير تحدد نجاح الوصفة من فشلها، كما أن الصور المرفقة تكون سيئة إلى حد كبير.

هل تنوي إصدار كتاب للطهي قريبا؟
نعم، ولكن بعد إفتتاح مطعمي بمشيئه الله.

مع انتشار برامج الطهي، هل من تجربة تلفزيونية في الطريق؟
الفكرة موجودة وأعمل على تحقيقها، وقد سبق وأن أعددت مع إحدى القنوات فقرة طهي ولم تنجح لأننا أختلفنا على أسلوب التطبيق، لكن هذه التجربة جعلتني أفكر في الحصول على دورات لأتمكن من السيطرة على  الكاميرا، وأظهر بشكل محترف في التجربة القادمة.