شباب الرصيف: التنافس يصدح بالرسالة وجمهورية التحرير مدينتنا الفاضلة

عيش النهاردة مصر اللي بتحلم بيها بكرة

صور وفيديو

مصر كانت الأمل، فلما عاد الشاب (أحمد رجائي) من غربته لم يجدها كما صورتها السينما، آثر وقتها أن يكون نتاج رباطه مع (شيما يوسف) ولادة لـ "خروجات"- المطبوعة صغيرة الحجم- وكما ربط الزواج بين طريقين، دمجت "خروجات" بين مجال التصميم وخبرة رجائي فيه، والإعلام بخبرة شيما، وارتكزت خروجات على حب الشباب للإنطلاق، فلم تنادي بعكس ذلك، بل ركزت على أهم الفعاليات الثقافية والفنية في القاهرة بحيث تطرح في كل عدد شهري الفعاليات الشهرية لأبرز المراكز الثقافية.


وفي ديسمبر 2009 صدر العدد الأول، على الرغم من صعوبات دارت حول عدم إيمان المعلنين بقيمة الفكرة، استمرت تطبع شهرياً 2000 نسخة- إلى أن جمعت جمهورية التحرير -كما يحب فريق العمل تسمية (ميدان التحرير)- الشباب مجدداً، كان الهدف واحداً وقتها في الميدان، وكان المدينة الفاضلة وفقاً لـ (سوزان رضوان)، فتوحدت الرؤى.


التواجد في الميدان لم يكن بغرض الإيمان برسالة الغير، إنما وفقاً لشيما: "اجتمع المصريون هناك ليس بهدف مساعدتك لايصال رسالتك بل لأن هذه الرسالة رسالتهم أيضاً".


وآثر فريق العمل- في الميدان - أن يكونوا "رصيفا"، لكي يعبر الشعب من خلالهم لبر أمان، آمنوا بأفكارهم، وساروا خلف أحلامهم حتى باتت اليوم حقيقة، الحوار معهم يجيب على السؤال، لماذا استطاع هؤلاء الشباب الاستمرار في إصدار مطبوعة لا تغطي تكاليف طباعتها أحياناً؟


وعاد ظهور "خروجات" لكن كأحد أبواب المطبوعة "الرصيف"، التي تبلورت رسالتها فباتت تنشد تمكين الإبداع في المواطن المصري، وتدعو للكرامة والحرية، باختصار "عيش النهاردة مصر اللي بتحلم بيها بكرة".
تقول شيما: "كانت (خروجات) رسالة، ومن تجربة ميدان التحرير تحولت إلى عدد من الرسائل، لم يعد المهم أين يقضي الشباب وقت فراغهم فحسب، إنما أصبحت الرسالة أكبر وأعمق، لقد تحولت لشبكة وصل ومهارات، كي تتواصل الحركات الشبابيه والمبادرات التي تحمل أهداف لخدمة البلد، إنها تدعو لتطبيق المجتمع المدني".

 

هدفنا من مهارات 

ولتحقيق ذلك ضمت "الرصيف" عدداً من الأبواب، مهارات، يجمع أصحاب المهارات المختلفة والذين على استعداد لتعليم مهاراتهم للغير، كالعزف على الغيتار، الرسم، تعليم القراءة والكتابة..الخ، توضح شيما: "كثير منا درس مجال بينما كان يتمنى دراسة مجال آخر، إننا من خلال مهارات نطبق التعليم البديل، والمردود من تطبيق ذلك كبير على الطرفين المعلم والمتعلم، فندعم الشخص صاحب المعرفة أو الموهبة بتعليم أشخاص آخرين فيشعر بقيمته في المجتمع، كما أننا من خلال مهارات نؤكد لمن يرغب في تعلم شيء تمنى تعلمه في يوم ما إن الوقت لم يفت بعد، بالإضافة إلى أن احتكاك المتعلم بشخص يحب عمله يجعله يبحث عن هذا الاحساس، فيحاكيه، لأن كلاً منا إن أحب عمله ينتج فيه".

مشيرة، إلى أن مهارات –الباب-  يشترط أن يكون المقابل المادي رمزي، موضحة: "لدى البعض استعداد أن يقدم هذه الدروس دون مقابل مادي، ونقوم كفريق الرصيف بتوفير المكان الملائم إن لم يكن لديه مكان مجهز، بينما يشترط البعض أن يحصل على مقابل مادي جراء هذه الدروس، ويهمنا أن يكون المقابل بسيط، ولا نشترط في الغالب وقت وزمان الدروس، لأنها تعتمد على وقت فراغه".

الثورة صنعت صفحة لجيلنا ولن نسمح بالتهميش مجدداً

ونسبة لكفاح، كان باب "كفحتاجية"، ويُعرِّف -الباب- بشباب مكافح لكنه بعيد عن الأضواء، لم يجد له فرصة ظهور ويقدم فن راق وجميل، توضح سوزان: "نحن كجيل جديد مُتهمين ومُهاجمين بسوء الذوق الفني، ويتكرر على أذهاننا أكذوبة الفن الجميل، ونعيش حالة فقر ثقافي، سواء على نطاق الفن المرئي أو المسموع، لأن تسليط الضوء في الغالب على أشخاص محددين، لكننا من خلال هذا الباب نسلط الضوء على الشباب الموجودين قبل الثورة، والذين كانت لديهم مواهب وأهداف سامية، لم يحظوا بفرصة ظهور قبل الثورة لكن ميدان التحرير سلط عليهم الضوء، ونعرض معلومات عن هؤلاء الفنانين أصحاب الرسالة في شتى المجالات، هؤلاء الأشخاص هم أصحاب الفن الذي يحمل هويتنا، إننا نؤكد من خلالهم أننا لن نهمش مرة أخرى ومن أي نظام آخر، لقد منحتنا الثورة كجيل صفحة بيضاء نحن من صنعها ومن خلال هذا الباب نسلط الضوء على رموز الشباب الذين يعبرون عن جيلنا ومفاهيمنا هم صوتنا ومزيكتنا وغنانا ومواهبنا على اختلاف مجالاتها".

كان التجمع في التحرير إيجابياً، وبمجرد إنتهاء الـ18 يوم، شعر شباب الرصيف، بأن ما استطاعوا التحلي به كمجتمع في الميدان يمكن استمراره، و من خلال باب "جمهورية التحرير" باتت الدعوة إلى  كل ما هو إيجابي ومستمر لليوم في جيل الثورة، تعزيزه بمشاهد، إنه وفقاً لشيما: "فلنستمر على الأخلاق التي عشناها في 18 يوم"،  يمتاز باب الجمهورية بمعاصرة الأحداث، والدعوة من خلالها إلى تصرفات المجتمع المدني، على سبيل المثال، الاعتصام والاضراب وأحداث بورسعيد الأخيرة، وماذا تطلب من الرئيس من الجديد ..

هذا السبب وراء استخدامنا العامية

تم الاعتماد  في الدعوة للخروج يوم 25 يناير 2011 على الانترنت، موقع الفيسبوك تحديداً، الأمر الذي ساهم في نجاحها، لكن شباب الرصيف، ثوار 25 يناير كان لهم رأي آخر فلم يواجهوا حيرة بين إصدارها إلكترونياً، أو ورقياً، فالهدف أن تُقرأ وأن تُطبق، أن تكون أسلوب حياة، والمعلومات متوفرة بغزارة على الإنترنت، لكننا- وفقاً لسوزان- "نريد بها أن تصل لمن لا يملك في منزله إنترنت، نحن شعب فقير، وكثيراً منا أطُلق عليه –حزب الكنبة مؤخراً-  هؤلاء لا يبحثوا عن معلومة فنحن نهدف باصدارها ورقياً أن تصل للجميع، للطالب الجامعي، ورجل المرور، الشباب الجالس على القهوة، وربة المنزل، والنادل، إن قرأها أحدهم ستصل لآخر يعرفه، وهكذا نضمن وصول رسالتها فتخلق الحراك، وقد قمنا أخيراً برفع النسخة الورقية على موقع إلكتروني لنضمن وصولها للمغتربين".

الحجم الصغير واستخدام اللهجة العامية في الكتابة، لم يقع الاختيار عليهما جزافاً، تقول شيما: "الهدف من حجم المطبوعة إمكانية حملها وتبادلها بين الأصدقاء، لو كانت مطبوعة ذات حجم كبير ربما لن تُقرأ كوننا كشعب عربي متهمين بعدم القراءة، إن اختيار الحجم الصغير ساهم في صناعة محتوى مُركز، إننا نقدم للجمهور خدمة، لذا لابد عندما تقدمي لشخص ما خدمة أن تساعديه وتسهلي عليه طريقة استخدامها والتعامل معها، باختصار كان هذا الهدف وكانت هي الفكرة، ومع إعتزازنا بعربيتنا الفصحى، لكن استخدامنا اللهجة المصرية العامية في الكتابة أيضا كان بهدف، نحن اليوم ونحن نتحاور لا نتحدث الفصحى، والشباب عندما يتحدث في تجمعاتهم لا يستخدمها، ومن يجلس على القهوة لا يفعل ذلك أيضاً، أردنا أن نكون مشاركين في هذه التجمات بالرصيف، وكأننا على طاولة واحدة، هم ونحن بالرصيف، الهدف ليس استعراض لغوي، إنما فكرة نشعر بها ونؤمن بأهمية تحقيقها وربما هم أيضاً مؤمنين بها، فلماذا نُشعر القارئ أننا نتحدث من مكان مرتفع عنه؟، لا بد أن يتم إلغاء منظور أن يكون المرسل في برجه العاجي والمستقبل على الأرض، لينزل الاثنان على الأرض، ويستقبلوا ويرسلوا لبعض بنفس الأسلوب والطريقة".

هؤلاء جواهر مشوارنا ولأجلهم كنا الرصيف 

الصدى أو رد الفعل بتوزيع 20000 نسخة  شهرياً من الرصيف، أكدوا أثناء الحوار بأنه المكسب الحقيقي، لمسوه أثناء توزيعهم المطبوعة في الشارع، ومن الاتصالات التي تردهم بشكل يومي، ويطلب أصحابها المساهمة والمشاركة بأي شيء حتى وإن لم يعرف- المتصل- ماهو الشيء،  ومن ردود الفعل هذه تقول سوزان : "اتصلت بنا سيدة تجاوزت الأربعين، قالت أنها لا تعرف القراءة ولا الكتابة، ومع ذلك قرأ لها أحد أقاربها الرصيف، ووجدت باب مهارات وأنه بإمكاننا مساعدتها لتتعلم  أي مهارة، وترغب في تعلم القراءة والكتابة، وكتبنا القصة في العدد التالي، وصلنا عدد كبير من المتبرعين بتعليم السيدة، مختصين وغير مختصين، إنها أحد الجواهر التي نقابلها في الطريق، وهذا هو المردود المعنوي الذي يدفعنا دائماً للاستمرار".
وتضيف شيما: " تلقيت مكالمة من شاب، يقول: ( أمي سيدة غلبانة تقوم بجمع المجلات وعندما كنت أشاهد ما جمعته، وجدت الرصيف، قرأتها طوال الليل وأنتظرت الصباح لأتصل بكم من أخر دقيقة في الهاتف المحمول، كي أقول لكم أنا مبسوط منها قوي) وقُطع الخط، نحن نعمل من أجل هؤلاء، إن الرصيف مشروع صحافة أخلاقية توزع مجاناً، وقابلة للبيع من حيث استقطابها للمعلنين، لا تهدف للصحافة بمفهومها الحرفي في البحث عن خبطات صحافية، والتركيز على النجوم، إنما هدف أخلاقي، ونحن موضوعيين في الطرح بحيث لا نتعرض لمن يخالفنا في الرأي، لكننا غير حياديين في الوقت نفسه، فلدينا توجه ونسعى لأن يكون سمة من سمات المجتمع المصري".

ولتكن رصيف،- لا شروط معينة، أو محددة، إنما سؤال ومقياس،  ماهية الإضافة التي من الممكن أن تضيفها من خلال فكرتك؟، أما المقياس فهو المعيار الأخلاقي فحسب، بمعنى هل الغرض خدمة نفسك أم المجتمع أم كلاهما، توضح سوزان: "كل واحد منا رصيف كي نعبر، الرصيف هو حجر الأساس، وأول وحدة بنائية في الشارع، لا مشكلة إن كنا اللبنة الأولى ويقف علينا أو بيننا أحد، إننا مؤمنين بأن  الرصيف أسلوب حياة ومنهج تفكير وليس مطبوعة أو مناسبة  أو حدث إنه فعلاً أشخاص، وطالما عندك هذا المنهج الفكري ستكون رصيف، إن كنت ترغب في المشاركة وتكون (طوبة) أهلاً،  وإن كنت ترغب في أن تقف وتشاهد أيضاً أهلاً بك".

وعن طموحهم للرصيف، تقول شيما: "نقوم بالتوزيع في القاهرة فقط، وبصدد التوزيع في عدد من المحافظات بدءاً من سوهاج والإسكندرية والمنيا وطنطا والمنصورة وحلوان، ورتبنا بالتعاون مع أشخاص في هذه المناطق للحصول على معلومات تتعلق بها، فحتى تستطيع المطبوعة أن تؤدي أهدافها لابد من ذلك، ونتطلع أن تصدر في جميع محافظات مصر".

كل نجاح يضع في اعتبارهم القائمين عليه المنافسة، لكن شباب الرصيف، لايخشوا المنافسة بل ويتطلعوا لها توضح شيما: "نتمنى أن يظهر من ينافس فكرتنا بنفس الأهداف، الفكرة هدف، لو وُجد من يؤمن به ويقوم بدعمه من خلال مشروعه سنتكامل، وندفع ببعض لتحقيقها، كأننا نتحدث بصوت أعلى عوضاً عن صوت وحيد، ولكل فكرة إن وجد لها منافسين أتمنى أن لا يضرب أصحابها بعضهم البعض، فلكل فكرة رسالتها وطريقتها التي يراهن عليها من يقف ورائها، نستمع لآيات القرآن الكريم من عدة مقرئين ومع ذلك كل مقرئ يجود الآية بطريقته فتؤثر علي من يسمعها بشكل مختلف".

التكامل الذي دعوا له، تم تطبيقه فعلاً من خلال مشروع آخر، شاركوا فيه شباب أطلقوا على أنفسهم (المساحة) فخرجت مساحة المكان بهدف جمع كل باحث عن مكان لتنفيذ مشروعه أو تطبيق إحدى الدورات التعليمية لمهارات، إضافة إلى "ومضة"، الفعالية الشهرية والتي تُنَفذ بإستضافة فنانين شباب، باختصار(كفحتاجية الرصيف).

وفي ختام الحوار، كانت النصيحة: "أبحث عن من يشبهوك، يحملون نفس أفكارك، إبحث عن الناس التي تعيينك على تنفيذ فكرتك وابتعد عن المحبطين"، هكذا قالت سوزان، بينما كانت نصيحة شيما: "حينما بدأنا الفكرة لم يقتنع بها أحد، هوجمنا، لذا أقول للجميع:  أخلق يقين في نفسك، وثق بأن الله عز وجل يضع يده فوق يدك".

وعلى الرغم من تواجد عدد من المراكز الثقافية  في مصر إلا أن حلمهم الكبير إنشاء مركز  ثقافي فني وإبداعي وخلاق من يدخله بمشاعر سلبية يخرج منه إنسان مختلف، أي  يخرج منه أفضل.

يذكر أن شباب الرصيف: أحمد رجائي خريج فنون تطبيقيه قسم إعلان ولديه شركة دعاية وإعلان، - شيما يوسف خريجة إعلام، قسم صحافة، ومدربة علاج نفسي بالرسم -  الطبيبة سوزان رضوان- أحمد نظمي موظف في شركة بترول-   المحامي فتحي السيسي- والمحامي محمد عيسي، والطالبة بقسم التجارة نورا المنشاوي على اختلاف تخصاصاتهم أكدوا جميعاً أثناء التعريف بأنفسهم "الرصيف حياتنا.

للإطلاع على العدد الأخير للرصيف