الإعلام بين المكاشفة والتغييب

سوق المال.. خلل فني (غير) طارئ

رانية سليمان سلامة

- «من لا يعمل لا يخطئ»، مثل قد ينطبق على هيئة سوق المال الموقرة التي بلا أدنى شك تعمل ما بوسعها لتحقيق الهدف من تأسيسها.

- «من يجهل يخطئ»، مثل بوسعنا أن نعتبر أنه ينطبق علينا لكثرة ما نجهل من حقائق عن ما يجري في سوق المال... وحتى لا نخطئ لابد أن نفهم!!.

- ويقال «عندما تغيب الحقيقة تنتشر الإشاعة»، وبناءً عليه أتقدم بأحرّ التعازي وأصدق المواساة لحملة (كن واعياً لا وعاءً للشائعات) حيث النتيجة «لم ينجح أحد» لعدم توفر الشفافية المبيدة للشائعات.

لن أتطرق إلى قرارات هيئة سوق المال الأخيرة التي يرى البعض أنها كانت متأخرة أو جانبها الصواب فأدت إلى هبوط اضطراري للمؤشر، ولكني سأتوقف مع الأرضية الخصبة لزراعة ونمو (الشائعات) وأخواتها من (التسريبات) و(الأخبار المختلقة).

لقد تعطلت أنظمة التداول ليومين تقريباً ظل المتداولون خلالهما يتابعون سوقا مصابا (بالسكتة التداولية) دون معرفة السبب لتطمئن قلوبهم على أن المريض سيخرج من غرفة الإنعاش معافى على يد الطبيب... وبلاشك كان هناك خلل وكانت الهيئة تعمل على إصلاحه، ولكن ماذا عن ملايين المتداولين الذين يجلسون خلف الشاشات لمتابعة مسرحية ظلت ستائرها معلقة في الهواء؟!، لا هي أسدلت ولا هي رفعت... فلم يظهر إعلان يفيد عن التوقف ومسبباته، كما تم الاكتفاء بتمديد فترة تداول إحدى الجلسات المسائية فظهرت على الشاشة أخيراً بوادر تحرك للمؤشر ظل الجمهور يراقبها ضاحكاً، باكياً، ومتسائلاً: من الذي نجح بالتنفيذ إذا كان التداول عن طريق الإنترنت والهاتف وصالات البنوك معطلاً؟!!.

تلك (السكتة التداولية) لم تكن سوى حالة متأخرة لـ(جلطات يومية) ظلت تصيب أنظمة التداول في البنوك وبحت الأصوات من الشكوى وجف القلم من التظلم ورفع المتداولون الراية البيضاء مستسلمين لواقعهم ومحتسبين خسائرهم، وتارة أخرى متندرين عليها و(شر البلية ما يضحك)... أما ما يدعو للرثاء فهو أن البنوك ذاتها قد استفادت من القوانين التي تحميها وحدها وبدأت بتسييل محافظ أصحاب التسهيلات لعدم وجود شرط استثنائي يراعي تحقيق المحافظ لخسارة خارجة عن إرادة وقرار المستثمر بسبب مشاكل غامضة أو خلل تقني في أنظمة التداول.

أكنت (واعيا) أم (وعاءً) لم يكن بوسعك مهما بلغت ثقافتك الاستثمارية أن تتلافى هذا الخلل الفني (غير) الطارئ... كما لم يعد أمامنا بديل عن الشائعات للوصول إلى تفسير وتبرير لما يجري في سوق تقام فيه مسابقة ماراثونية بين المؤشر والأسهم القيادية والخاسرة لتركض ارتفاعاً وانخفاضاً وتحركها أمواج سيولة هادرة تبحث عن المزيد من الشركات المساهمة دون جدوى... وتنتعش سوق الشائعات في ظل صمت الهيئة وضبابية صياغة الإعلانات التي تترك مساحات فارغة بين سطورها لهواة حل الكلمات المتقاطعة فتخرج كلمة السر المفقودة بسهولة على هيئة (شائعة).

المثير حقاً أن هيئة سوق المال مازالت تحذر وسائل الإعلام المطبوع والمرئي من نقل الشائعات، بينما صعدت لهجتها تجاه المنتديات الإلكترونية الاقتصادية ولوحت بحجبها... ولا أدري إن كانت قد تبقت مؤشرات فنية أو تحليلات منطقية أو تصريحات شافية قابلة للنشر كبديل للشائعات سوى تحويل الصفحات الاقتصادية إلى صفحات الحوادث أو ربما إحالة قرائها إلى صفحة (قلوب رحيمة) حيث تجد هناك قصص من كانوا من رواد السوق سابقاً.

عذراً، ليس من المنصف أن يتخلى الإعلام عن دوره من أجل أن تكسب هيئة سوق المال معركة غير مكتملة العناصر في سبيل إرساء الشفافية... ليس ونحن على ثقة من أن الهيئة الموقرة تملك أدوات المواجهة لدحر الشائعات، وليس بعد أن أصبح جمهور الأسهم رجالاً ونساءً مثقفين وغير متعلمين، ليس وأنا أقرأ تحقيقاً صحفياً يشير إلى أنه حتى الأطفال في المرحلة الابتدائية يتحدثون عن سوق الأسهم السعودي.

لسنا في عهد الإعلام التفاعلي نلجأ إلى الحجب حلاً بديلاً لمعالجة شائعة تصعد فوق ظهر الحقيقة الغائبة، أو تسريبات تجدر محاسبة من سربها من مجالس إدارات الشركات قبل أن نتجه باللوم إلى الإعلام والمنتديات، فمادام الخبر قد تسرب لأحدهم يفترض سرعة إعلانه للجميع لتحقيق مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص حتى لا تستأثر بالأخبار المتسربة فئة من المتداولين قبل أو دون غيرها... وإن كان دور الإعلام تفاعلياً فمن أبرز ما قرأت من مطالب مشتركي الإنترنت كان مطلباً مشروعاً بأن تكون قرارات الهيئة استباقية لتدرأ البلاء قبل وقوعه لا بعده.

لست بالطبع أدافع عن الأخطاء ولا الشائعات ولكن أود كغيري أن تحتل الهيئة أرضها لتزرع في قلبها الحقائق... وعندها فقط قد تنقلب الأوعية وعياً.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية

[email protected]
المصدر صحيفة عكاظ