آن لنا أن نوطن الآمال بدلاً من ترحيلها

الأنظمة تُحدّث

رانية سليمان سلامة

«أول السيل قطرة»، أمنية تمنيتها وأنا أقرأ قرار مجلس الوزراء الذي نص على تعديل المادة 158 من نظام الشركات ليتمكن الشركاء من تحديد رأس مال الشركات ذات المسؤولية المحدودة في عقد تأسيسها دون اشتراط الحد الأدنى المطلوب سابقاً لتسجيلها وقدره 500 ألف ريال... ولعل أغلب التعليقات على هذه الخطوة الهامة أشارت إلى أنها ستساعد الشباب والشابات وأصحاب المؤسسات الفردية على التحول إلى شركات، أما الأهم من وجهة نظري فهو أنها ستلغي ظاهرة (الشراكة من الباطن) والتي كانت الوسيلة الوحيدة أمام أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة للدخول في شراكة، فكان المتعارف عليه أن أحد الشركاء يتكفل بتأسيس مؤسسة فردية ومن ثم يتجه إلى عقد شراكة من الباطن ليتجاوز تعقيدات وعقبات تأسيس شركة ذات مسؤولية محدودة.
 
هذه القطرة المباركة آمل أن تكون من مؤشرات سيل قادم لتغيير وتحديث عدد من الأنظمة واللوائح، فقد سبقها العام الماضي تغيير نظام العمل والعمال بعد صدوره بـ 37 عاماً ولايزال الطريق طويلاً (لنفض الغبار) عن أنظمة ولوائح عديدة صدرت في العقود الماضية فكانت ربما مناسبة لعصرها وزمانها بينما هي اليوم عقبة تفرض على المتعاملين بها الالتفاف عليها في أحيان كثيرة بمباركة المسؤولين الذين قد تتبدل أسماؤهم دون أن تتغير اللوائح العتيدة ونجد أنفسنا في كل مرحلة مضطرين إلى ترحيل آمال التحديث الشامل لمرحلة تالية تصبح فيها الأنظمة واللوائح أكثر مواكبة للعصر وتلبية لمتطلبات النهضة الشاملة.
 

والأمثلة كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر تراخيص الأنشطة التجارية التي تفرض على المرأة استخراج سجل تجاري لنشاط متاح بينما تمارس نشاطاً آخر محظوراً عليها دون مبرر، ولعل خير مثال عليها صوالين التجميل التي لاتزال تعمل برخصة مشغل بالرغم من علم وزارة التجارة والغرف التجارية والبلديات بأنها ليست مشاغل. ومنها الوكيل الشرعي للمرأة، ذلك الشخص العاطل والعالة على مجتمعه والخطر على موكلته والذي يصعب على سيدة الأعمال غالباً العثور عليه لتضطر إلى تركيب المواصفات والمقاييس على شخص آخر في سبيل الحصول على حقها لاستثمار مالها وممارسة عملها.
 
ومنها الأنظمة واللوائح المتعلقة بالصحافة والتراخيص الإعلامية التي أدت إلى هجرة منظمة لرؤوس الأموال المستثمرة في المجال الإعلامي لتحصل على تراخيصها من الخارج ومن ثم تقوم بتصدير إنتاجها للداخل تأكيداً على تمسكنا محلياً بأن نكون مستوردين حتى لخيراتنا وخبراتنا بدلاً من أن نكون مصدرين لها... لو أن هذا التضييق على الاستثمار المحلي في قطاع الإعلام يهدف إلى (دفع الشرور) أو (درء المفاسد) لربما كان مبرراً، لكن العجيب أن المستثمر يحصل على رخصة مرور مطبوعته ومباركة بث قناته الفضائية عندما يتحول من مواطن يستثمر أمواله في وطنه إلى أجنبي يستثمر أمواله في الخارج ليروج بضاعته في الداخل.

ومنها اللوائح المتعلقة أيضاً بالإعلام والتي تحرم المستثمرة من الحصول على ترخيص إعلامي لأنها تشترط مواصفات يستحيل أن تتوافر في إعلامية أو سيدة أعمال سعودية، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر أن تكون أستاذاً جامعياً في كلية الإعلام بينما لاتوجد في جامعات البنات السعودية كليات للإعلام، وبالتالي خرجت المرأة من ملعب الاستثمار في قطاع الإعلام أو ربما دخلته من أبواب خلفية بمفاتيح استثنائية.

لعلي تناولت في مقال سابق تعريفاً بسيطاً للقانون بوصفه (علماً اجتماعياً) ينظم حياة المجتمع بشكل يناسب واقع أفراده ويساعدهم على احترام سيادته، هذه هي العلاقة الصحية التي يفترض أن تربط الإنسان بالقوانين واللوائح والأنظمة التي تعتبر إشارة مرور يجب أن تحتوي على الأخضر والأحمر والأصفر لتنظيم حركة السير من أجل مصلحة الجميع أما إذا تعطلت الألوان عدا الأحمر فسنجد أنفسنا مجبرين على السير عكس الاتجاه وارتكاب مخالفة أو ربما البحث عن شارع آخر.

القانون ليس عقبة على خط السير ولايمكن تصنيفه من فئة الثوابت فهو متغير وقابل للتحديث السريع تقديماً للمصالح، ومع هذه الخطوة المبشرة التي أقرها مجلس الوزراء أشعر بأنه قد آن لنا أن نوطن الآمال بدلاً من ترحيلها.

 

 

رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]

المصدر: صحيفة عكاظ