هل يصبح (الهليكوبتر) الحل الوحيد؟

التنفس بعيداً عن الاختناق المروري

رانية سليمان سلامة

أشك بوجود صلة قرابة أو لعله مجرد تطابق أفكار بين من قام بتخطيط شوارع جدة وشوارع دبي مع اعتذاري لكلمة “تخطيط” فالعشوائية هي الوصف الصحيح لشوارع المدينتين، ولكن هذه العشوائية لم تأت من فراغ بل للأمانة لابد من الاعتراف بأنها تستند إلى وجهات نظر هامة منها أن المدينتين سياحيتان وبالتالي كان لابد أن يوفر تخطيط شوارعهما للسائح والمواطن فرصة أكبر للاطلاع على معالم وجمال المدينتين خلال رحلة التنقل من مكان لآخر ففي دبي أياً كان المكان الذي تنشد الوصول إليه تقريباً ستجد أنك تمر بشارع الشيخ زايد لمشاهدة ناطحات السحاب والحقيقة أن الإبداع المعماري جعلني أتوقع في زيارتي الأولى لدبي أن هناك خدعا بصرية تجعل المبنى يبدو قريباً جداً من سيارتك بينما تجد نفسك تلف وتدور حوله وتقف في إشارات وتخترق ازدحاما حتى تصل إلى بوابته.

وفي جدة يهيأ لي أن بعض الشوارع تعاني من حالة انفصام في الشخصية فما تراه اليوم شارعاً قد تجده غداً يقتبس مواصفات الخط السريع حيث يتم إغلاق جميع المنافذ منه وإليه ليصبح “الداخل مفقوداً والخارج مولوداً” وعليك أن تكمل الطريق في اتجاه واحد أو مايطلق عليه “طريق اللي يروح مايرجع”.

كما يتيح تخطيط شوارع جدة مساحة حرة من العمل بنظرية التجربة والخطأ فتجد في الرصيف الفاصل بين الشارع الرئيسي وخط الخدمة على سبيل المثال 3 فتحات لاتفصل بين كل منها سوى مسافات قصيرة وبوسع المرور كل يوم أن يغلق اثنتين ويفتح واحدة من باب التغيير، وكذلك الميادين التي يتكرر في نفس اليوم إغلاقها وفتحها ليس لتخفيف الزحام ولكن ليتركز في مسار واحد حتى تصبح النجاة منه مستحيلة.

كما يشترك مخططو شوارع جدة ودبي باحتراف “سواقة” الأعذار وأكثرها رواجاً ارتفاع التعداد السكاني في المدينتين وبالطبع تتشرف المدن التجارية العالمية بتبليغ سلامها للمدينتين.

لم يعد بالإمكان الاكتفاء بتعديل مسارات التخطيط القديم فجدة ودبي بحاجة لإعادة تخطيط بالكامل لاستيعاب الكثافة السكانية والتوسع التجاري ولا أتوقع أن يتحقق ذلك إلا بتفريغ المدينتين من السكان لمدة 5 سنوات أو التحول إلى استخدام “الهليكوبتر” وفي استخدامها عدة فوائد منها عدم وجود قوانين مرور سابقة تمنع سواقة المرأة للهليكوبتر وبالتالي سيحسم جدل سواقة المرأة للسيارة كما أنها ستكون آمنة شرعاً حيث إن مجال الرؤية أثناء الطيران لن يسمح للمتسكعين بالتمييز بين سائق وسائقة الهليكوبتر بالإضافة إلى أنه لاتوجد كفرات قد تتعطل أثناء طيرانها لتضطر السائقة إلى اللجوء لرجل شهم يساعدها على تغييرها، كما أن المراوح قد تساعد على تلطيف أجواء المدينتين صيفاً، أما الخطر الوحيد فهو سقوط الهيليكوبتر وبالإمكان تجاوزه بـ(تبطين) الشوارع لتخفيف صدمات الارتطام بالأرض.

في حال تطور وسائل المواصلات واختراع (السيارات الطائرة) بدلاً من (الطائرات السيارة) التي اعتدنا على طيرانها في شوارعنا ستتفوق دبي على جدة نظراً لكون جميع ناطحات سحابها تقريباً تحتوي على مهبط للطائرات وهذا الأمر لايتوفر لمبانينا التي لاتضم حتى مواقف سيارات.

يحسب لدبي كذلك أنها وضعت خطة زمنية لمراحل إنشاء خطوط السكك الحديدية حيث سيتم تشغيل الجزء الأول منها في عام 2010م بينما ظلت الخطط المماثلة في جدة (عائمة) على سطح الوعود والتصريحات التي يشير الواقع إلى أنها أقرب لأحلام اليقظة المسكنة للتذمر.

لازلنا نقف بعيداً حتى عن أضعف الإيمان فالزحام الخانق في جدة كان بوسعه أن يعود بفائدة كبيرة على الإذاعة لتصبح الجهة الرسمية للإعلان عن حركة السير ومتابعة القرارات الطارئة بإغلاق أو فتح الشوارع والميادين حتى تساعد السائق على اتخاذ القرار وتجنب الوقوع في أسر الزحام لساعات طويلة.

أدرك أن تصحيح أخطاء التخطيط السابق ليس بالأمر اليسير لكن مايستدعي القلق حقاً هو أن بعض الطرق التي يمكن أن نعتبرها حديثة مثل طريق الملك فهد أثبت الواقع كما أثبتت دراسة نشرتها الصحف مؤخراً أنه يفتقر إلى العناية والاهتمام من ناحية النظافة بالإضافة لعدم وجود مواقف كافية للسيارات وسوء توزيع اللوحات الإرشادية وسوء الأرصفة وعدم وضع محولات الكهرباء وغرف الهاتف ووجود الحاويات بشكل سلبي، مما يعني أن التوسع مستمر وقائم مع اقتباس نفس أخطاء الماضي ليظل الحال على ماهو عليه حتى يصبح حل “الهليكوبتر” الذي اقترحته بشكل ساخر أعلاه هو الحل الوحيد مستقبلاً لمواجهة الازدحام.

 

رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ