مع التحية لمشاريع الحكومة الإلكترونية

الملفات الخضراء ومثلث برمودا

رانية سليمان سلامة

تعد ظاهرة (الملفات العلاقية المفقودة) من أحدث الظواهر المحلية التي تشير إلى وجود (مثلث برمودا) يبتلع الملفات بأضلاعه التي تتكون من البيروقراطية والإهمال وربما محاولة تعطيل تنفيذ القرار.
 
الأسبوع الماضي فقط طالعتنا الصحف بخبرين الأول نشر في صحيفة المدينة عن 261 متقدماً للوظائف التعليمية ضلت ملفاتهم طريقها لتصل إلى وزارة التعليم في الرياض بدلاً من انتقالها من إدارة التربية والتعليم بالطائف إلى مكتب الخدمة المدنية المجاور، وفي اليوم التالي نشرت صحيفة “عكاظ” خبر اختفاء 400 ملف وظيفي بإدارة تعليم البنات بمنطقة الرياض... علما بأن الاختفاء الأول هدد الخريجين بخطر البطالة، والاختفاء الثاني هدد المنسوبات بالحرمان من التثبيت... واتساءل هل هي أخطاء موظفين أو خطيئة إبقاء ما يسمى بالملف الأخضر العلاقي على قيد الحياة متحدياً مشاريع الحكومة الإلكترونية؟.

أكتب هذا المقال (يوم الأربعاء) حيث كانت الفرصة الأخيرة أمام المتقدمين للوظائف لاستعادة ملفاتهم من إدارة تعليم الطائف، وأكتبه وأنا أعلم كذلك أنهم في هذه اللحظات فقط تنفسوا الصعداء واستعادوها، كما أن مشكلة اختفاء الملفات بإدارة تعليم البنات في طريقها للحل، ولكن مع ذلك هذه المشاكل وغيرها تستحق إعادة النظر ليس لمحاسبة المتسببين ولكن لإعدام (الملف الأخضر العلاقي) الذي تتعلق به مصائرنا و(تتشعبط) فيه البيروقراطية والروتين فتتفاقم بوجوده المشاكل ويصعب حلها لأن كافة المعاملات الرسمية لا تزال أسيرة للملف الأخضر العلاقي، فما زال صاحب المعاملة مطالبا بأن يجمع أوراقه بطريقة بدائية وينتقل من مكان لآخر لاستكمالها وتوقيعها مهدراً وقته وأحياناً ماء وجهه عوضا عن وقت آلاف الموظفين الحكوميين الذين اقتبس بعضهم من الملف صفة (التعليق) كصفة ملازمة لأدائه الوظيفي وتبنى تعليق المعاملات بآلية (تعال بكرة).
 
ولأن أمام الموظف آلاف الملفات الخضراء كان من الطبيعي أن يقع الخطأ الذي قرأنا عنه في إدارة تعليم الطائف حيث تم شحن الملفات إلى الرياض، ولأن أمام موظف الرياض ملفات أخرى متراكمة ووراءه إجازة لم يكن مستغرباً أن يضعهما جميعاً في درج مكتبه ويغلقه ويغادر بالمفتاح، ولأن المراجعة مستحيلة على المتقدمين بدون الأوراق كان على موظف آخر أن ينتقل من الطائف إلى الرياض متسائلاً (وين المفتاح؟) دون جدوى، ولأن الحل البديل أمام إدارة الطائف هو إصدار 261 استمارة جديدة وتوقيعها من المنطقي أن يرفض المسؤول تكرار هذه العملية المرهقة ليبقى كل متقدم (يفكر بالأخضر) المفقود ويعد الساعات المتبقية على الفرصة الأخيرة التي تفصل بينه وبين الوظيفة والبطالة.
 
الملفات العلاقية الخضراء ليست فقط معرضة لمخاطر (مثلث برمودا) ولكنها تشبه في قصة أحد القراء (الأطباق الطائرة) التي تتحرك في مسارات مجهولة وبسرعة غامضة، فقد عاد القارئ الكريم من الخارج محملاً بشهادة دكتوراه وحاملاً الملف الأخضر الشهير الذي يضم أوراق طلب استصدار ترخيص من وزارة الصحة لافتتاح مشروع في مجال تخصصه فسلم الملف للموظف الذي أشار إليه بالمراجعة بعد أسبوعين وعندما انقضت الأسبوعان أخبره الموظف بأن الملف صعد إلى الدور الثاني وينتظرون نزوله، فأبدى القارئ تعاونه واستعداده للصعود للدور الثاني وإحضار الملف اختصاراً للوقت، لكن الموظف استنكر ذلك قائلاً «هو ينزل لوحده في الوقت المناسب» ولا أدري إن كان الموظف يقصد الملف أو الوحي أو المزاج ولكن ظلت مشكلة القارئ معلقة لشهور مع التأكيد على أن الملف يجب أن يأخذ مساره في الهبوط وحده لمعرفة النتيجة.

مشاكل المواطنين مع الملفات الخضراء أفرزت مقترحات عبقرية وردود أفعال عجيبة ففي تواصلي مع أحد الخريجين الذين تعرضوا لواقعة فقدان الملفات بإدارة التعليم بالطائف قال لي:” إذا كانت لاتوجد نية لاستبدال الملفات الخضراء بملفات إلكترونية تنتقل عبر الشبكات بالتنسيق بين الوزارات فأقترح أن يتم إرفاق شريحة إلكترونية مع كل ملف علاقي للكشف عن موقعه ومتابعة تحركاته، مثل لوحات السيارات الجديدة التي ستضاف لها شرائح ذكية مرتبطة بأنظمة المرور الإلكترونية”.
 
وعندما أجريت بحثاً سريعاً على الإنترنت عن الملف الأخضر العلاقي في محاولة لمعرفة تاريخه وجدت أحدهم يرد على اقتراح تحويل لون الملف من الأخضر إلى الأصفر متندراً وقائلاً لزميله: «ويحك، إياك أن تمس الملف الأخضر واعلم أنك عندما تتحدث عنه فأنت تتحدث عن تاريخ آباء وواقع أمة ومستقبل أجيال لانعرف ما شكله»!! لذلك أتمنى أن يصل صوتنا للمسؤولين ليعلموا أننا بدونه لا نملك تاريخا وبه لن نرى المستقبل”، فيما أكد آخر على ضرورة احتفاظ الملفات بلونها الأخضر حتى ينطبق عليها قول الشاعر «وين ما يروح الأخضر أنا وياه».
 

أقول قولي هذا مع تقديم الأسف الشديد لمشاريع الحكومة الإلكترونية التي يُخرِج لها الملف الأخضر يومياً لسانه متحدياً إياها بأنها لن ترى النور ولن ينجح الموظفون بأداء عملهم وتنظيمه ما دام هو على قيد الحياة.

 

 

رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]

المصدر: جريدة عكاظ