كلما ابتعد الواقع عن المأمول تنتشر

ثقافة السخرية

رانية سليمان سلامة

عما قريب قد ندخل في منافسة حامية على المراتب الأولى في قائمة أكثر الشعوب العربية قدرة على التعبير الساخر في مختلف الظروف وعن مختلف الأحداث.

- فالأسلوب الساخر بات يطغى على أغلب أعمدة الكتاب في الصحف المحلية أو على الأقل يحل عليها ضيفاً من وقت لآخر... وهي ليست مجرد عدوى تنتقل من كاتب لزميله بقدر ماهي حالة فرضت نفسها وأسلوب نبت من أرضية خصبة تستوعبه و تزداد اتساعاً كلما ابتعد الواقع عن المأمول وكلما اصتدمت التوقعات والتطلعات بنتائج غير مرضية... وهي كذلك ليست حالة من (خفة الظل) أو (الاستخفاف) أصابت الكتاب وحدهم ولكن الملفت أن القارئ كذلك بات أكثر تفاعلاً مع هذا الأسلوب الذي نجده يعتمده هو الآخر للتعبير عن وجهة نظره عندما يعلق على مقال أو حتى في منتديات الإنترنت التي لاتخلو من تناول ساخر يتجدد مع كل حدث محلي جديد... وهي بحق من أجمل الحالات التي اجتاحتنا فأصبح القلم عندما يفيض بالألم يتراقص ساخراً ليضحكنا بوجع ويجسد المفارقات بشكل (كاريكاتوري) يؤكد أن السخرية هي المجهر الذي اخترناه لتضخيم (الفايروسات) الاجتماعية حتى نتمكن من رؤيتها ومعالجتها.

- فرض الأسلوب الساخر نفسه علينا واتضح ذلك جلياً هذا العام فقد غزت الأعمال التلفزيونية السعودية كافة المحطات الفضائية متشحة عن بكرة أبيها بالرداء الساخر، فمن (طاش ماطاش) إلى (غشمشم) و (ماكو فكة) و (أبوشلاخ البرمائي) وغيرها... كلها كانت أعمالاً تناقش قضايا هامة وحساسة بأسلوب ساخر لا أظنه أسلوب كاتبها فحسب بل هو مجدداً يعكس الأسلوب السائد والأقرب إلى المتلقي... وإن كانت هذه الأعمال قد حققت نجاحاً وحظيت بنسب مشاهدة مرتفعة فلابد أن ندرك أن نطاق هذا النجاح قد كان محلياً وكم أتمنى في الأعوام القادمة أن يقتصر بثها على قنواتنا الأرضية ذلك أن أغلب حلقات مسلسل (طاش ما طاش) على سبيل المثال سيعجز المشاهد العربي عن استيعاب لهجتها أو فك طلاسم الإشارات الرمزية فيها ولن تلامس أغلب القضايا المطروحة سوى واقعنا... بل وأزعم أنه حتى في المجتمع السعودي هناك مشاهد لامست فئة معنية بها أكثر من غيرها... فالإنتاج المحلي كان منا وإلينا وبالأسلوب السائد بيننا وهذا أمر لايؤخذ عليه خاصة وأنه من المعروف عالمياً أن من عوامل نجاح العمل الساخر الذي يتضمن عرض القضايا ومعالجتها هو ملاءمته لثقافة المجتمع وهو بذلك شديد الخصوصية وتستعصي حتى ترجمته كون الشخصيات التي تمثله واللغة والتلميحات التي يعتمد عليها موجهة للمجتمع المحلي، خلافاً للكوميديا التي تتطلب مجرد كاتب خفيف الظل يخلق المواقف وممثل موهوب يجسدها لرسم بسمة عالمية تناسب كل شفاه.

- أصبحت السخرية من سماتنا ففرضت نفسها حتى على الإعلانات التجارية التي تستهدف المستهلك، وأعتبر نفسي محظوظة بمعاصرة أطرف حرب إعلانية محلية اندلعت مؤخراً بين شركة الاتصالات السعودية وشركة موبايلي على إثر السماح للمستخدمين بالانتقال من مزود لآخر مع الاحتفاظ بنفس الرقم... فطالعتنا الشركتان بمساجلات إعلانية بدأت بحملة (رقمي) لترد عليها حملة (وش ينفع رقمي) وتختمها حملة (اللهم إني صائم)، ويبدو أن تلك الحملات الضخمة تعكس أن (الاتصال) قد تعثر بين شركتي (الاتصالات)، مما يستوجب الترخيص لشركة ثالثة توفر لهما وسيلة تواصل خاصة وتوجد لهما مخرجاً للتنصل من المآخذ القانونية على هذه الحملات ذات الإشارات الواضحة وضوح الشمس فكما يقول المثل (قالوا صفوا صفين قلنا نحن اثنين) أما بوجود شركة ثالثة فسيصبح بوسع شركتي الاتصالات طرح حملاتها الطريفة دون حساسية ودون أن تكون مباشرة إلى هذا الحد في طعن الآخر.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ