غربتي عن وطني قسرية واختيارية

زينب حفني لـ"عربيات": أنا أول من أماط اللثام عن المسكوت عنه

خاص - عربيات: حنين موصلي
صور وفيديو

 قالت عن عمرها أنه جواز سفر لم تنته الأيام من تقليب صفحاته... وأردنا في عربيات أن نقرأ معها بعض تلك الصفحات المليئة بالإثارة والتي تعتبرها الكاتبة والروائية السعودية زينب أحمد حفني قدرها الجميل، وإن كان قد ساقها إلى الغربة... نصحبكم معها لنتعرف على ملامح مشوارها وعلى "ملامح"، روايتها الأخيرة التي انضمت إلى رصيد أعمالها المثيرة للجدل .


من هو الرجل في حياة زينب حفني؟
الرجل في حياتي هو الأب الذي كان له دور كبير في تثقيفي، من خلال إعطائي الحرية الكاملة في قراءة ما أريد، والذي كان يتفانى من أجل إسعادي أنا وإخوتي. لقد كان صورة مجسدة للرجل المثالي... والرجل في حياتي هو أخي الذي أرى فيه امتدادا لأبي في حنانه وعطائه وتفهمه للطريق الذي اخترته. الرجل في حياتي هو ولدي الذي كان ثمرة لرحلة كفاح طويلة مع الحياة.

الغربة، هل هي اختيارية أم قسرية في حياتك؟
الغربة قد تكون في بعض الأحيان غربة نفس وليست غربة مكان. قد تجدين نفسك تعيشين غربة داخل وطنك، بسبب وجود فجوة تفصلك عن مفاهيم المجتمع الذي تربيت وترعرعت فيه، فكيف إذا كان هذا المجتمع مليء بالتناقضات والازدواجية كمجتمعنا!! الكاتب الجريء يجد نفسه مضطرا لأن يحيا هذه الغربة. غربتي عن وطني هي غربة قسرية واختيارية في نفس الوقت!! إنها تتوقف على مدى مقاومتك لكل الضغوطات التي تُصادفيها في رحلتك الحياتية.

يرى الدكتور حسن النعمي ان المجتمع يعاقب كل الروائيات الجريئات بالعزلة والقطيعة حتى بدت رواياتهن بلا تأثير... فهل تشعر زينت حفني التي اعترفت بجرأة رواياتها أنها قد دفعت هذا الثمن؟
من قال بأن الروايات النسائية لا تؤثر في مجتمعها!! هذا قول خاطيء!! مع احترامي للدكتور حسن النعمي إلا أنني أرى بأن التأثير الذي تركته قصصي ورواياتي على المساحة الثقافية كان كبيرا، ويكفيني فخرا أنني أول من أماط اللثام عن المسكوت عنه على الساحة الثقافية، من خلال مجموعتي القصصية "نساء عند خط الاستواء" التي نشرتها منذ ما يزيد عن عشرة سنوات... كانت الهزة وقتها قوية، وردود الأفعال عنيفة، ودفعت الثمن غالياً، ونلت عقوبة قاسية بمنعي عن الكتابة، وتم تجاهل اسمي في الأوساط الثقافية. أعترف بخجل أنني قطفت ثمار نجاحاتي خارج الوطن، ونلتُ تقديرا كبيرا هناك، لكنه انعكس في النهاية على الداخل. المجتمع مهما كان صارما لا يملك القدرة على أن يقف طويلا أمام إعصار الفكر، لأن الكلمة لا بد أن تخترق الحواجز الوهمية التي تصنعها الأعراف، ليخلدها التاريخ بين الأجيال، وهاهي الأيام تمر ويصبح هذا الماضي الأليم جزء مشرّف من تاريخي الأدبي.

الكتابة بمفهومها البسيط هي أن تكتب لنفسك وللآخر، ماهي نقطة التلاقي بينك وبين الآخر الذي يقرأ أعمالك؟
منذ أن احترفت الكتابة، أخذت على عاتقي المطالبة بتغيير الكثير من المسلمات التي تخضع لها المرأة السعودية، والسعي إلى تحرير المرأة بشكل عام من الكثير من القيود التي تعيق تقدمها.... لا يمكن أن يتحضّر مجتمع يرى بأن المرأة أم الشرور ويجب محاصرتها، ولا يمكن أن تنفصل قضايا المرأة عن قضايا المجتمع بأسره!! تصلني على إيميلي رسائل كثيرة لشباب من الجنسين، يحكون لي مشاكلهم، وأقدّم لهم كل ما يمكن من أجلهم، من خلال ما اطرحه عبر مقالي الأسبوعي أو تصويره في قصصي ورواياتي.

يرى النقاد أن روايات زينب حفني تبتعد عن الصور والتراكيب المعقدة وتنزع إلى السهل غير الممتنع وفي تشويق نابع من الحبكة تثير رواياتها الفضول لدى القارئ أكثر من ماتثير النزعة الأدبية... فهل تتعمدين ذلك لتتطغى الفكرة على الاستعراض الأدبي؟
قارئ اليوم غير قارئ الأمس ، يفتقد للنفس الطويل، في تعقّب المعاني والألفاظ الجزلة. لكن هذا لا يعني أنني ممن يهملون اللغة التي هي أساس الأدب. فأنا أرفض استخدام اللغة العامية في السرد أو الحوار إلا للضرورة القصوى، إذا استدعى الأمر ذلك. لكنني في نفس الوقت أرفض أن أهمل الفكرة على حساب الاستعراض الأدبي كما تسميه.

هناك اتهام للروائيات بالنرجسية لأنها تلتهي بمشاكلها الصغيرة، وتعمد إلى تسطيح القضايا القومية والوطنية... فما هو السر في أن الكاتبات يتجهن عادة في رواياتهن إلى تناول الأمور السطحية بينما نجد أن لديهن القدرة على التعمق في قضايا سياسية من خلال المقالات كما هو الحال مع زينب حفني؟
هذا اتهام جائر في حق الكاتبة السعودية تحديداً. صحيح أن هناك أقلام نسائية تهتم بالأمور السطحية، لكن هناك أيضا أقلام نسائية تفوقت على الرجل في قوة طرحها. هذا كله يعتمد على جسارة الكاتبة وطموحها بالخوض في قضايا تمس واقعها المعيشي. المرأة والرجل يعيشان في كوكب واحد، همومهما مشتركة، تطلعاتهما واحدة، وكل المطلوب أن تؤمن الكاتبة أو الأديبة من داخلها بأن دورها الحقيقي يلزمها أن تغوص في أعماق مجتمعها، دون الالتفات لأي معايير اجتماعية عقيمة، بأنها مخلوق رقيق يجب عليه أن يبتعد عن الأمور الجادة التي هي من اختصاص الرجل وحده.

دائما نجد أن الأنثى في روايات زينب حفني ضحية للرجل، فهل هو تحيزاً للمرأة على حساب كل الرجال؟
استغرب من سؤالك!!... فالقارئ لقصصي ورواياتي، يجد أنني أنظر للرجل نظرة معتدلة، وهذا بشهادة العديد من النقاد الذين تناولوا كتبي. لكنني دوما من خلال أدبي ألمّح بأن المرأة ضحية المجتمع بأسره، وليست ضحية الرجل، لأن المجتمع في الأصل ذكوري. المرأة في المجتمعات العربية توضع عند خط النار إذا أخطأت، بعكس الرجل الذي يرمي حمولة أخطائه خلفه ليبدأ من جديد دون أن يتعرض للتقريع. وهو ما سلطت الضوء عليه في روايتي الأخير "ملامح" التي انزلق فيها بطلي الرواية نحو الانحدار لكن كانت النهاية مأساوية بالنسبة لبطلة الرواية ثريا، بعكس بطلها حسين الذي كانت خاتمته سعيدة.

نساء زينب حفني، هكذا تُلقب بطلات رواياتك اللاتي لا يُرحبن بالانضمام طوعا إلى فريق الضحايا المسالمين.. فهل هن في الواقع صور متناثرة من شخصية زينب حفني؟
من الصعب أن تتهمي روائية أن شخوصها صور متناثرة منها!! لكنني سأهمس لك بحقيقة لا جدال فيها. لا يمكن أن ينسلخ الروائي عن مجتمعه وهو يكتب أحداث رواياته. هو ابن بيئته، لذا فقد تستهويه حكاية، أو يتأثر بشخصية، أو يتفاعل مع قضية، فيستثمرها ويحبكها بحسه الروائي، فالروائي في النهاية إنسان.


يتهم البعض روايات زينب حفني المأخوذة عن واقع المجتمع السعودي أنها تقتصر على رؤية الجزء الفارغ من الكوب فقط، فهل هذا صحيح؟
الرواية هي جزء من عالمك الذي تجدين نفسك غارقة فيه، وحين تفرغين من كتابة آخر سطر فيها تسقط فورا من بؤرة ذاكرتك. لا يمكن أن أكتب حقائق مزيفة وأنا أرى المرأة السعودية متأخرة عن أختها العربية... نحن مجتمع له سلبياته وإيجابياته التي يجب أن نواجهها بشجاعة ليتم معالجتها بحكمة. الرواية هي رصد للواقع الاجتماعي لأي بلد، وهذا هو الفرق بين المؤرخ الذي يُسجّل الأحداث بدم بارد، وبين الروائي الذي يغوص في ضمير مجتمعه، ويراقب التغييرات، ويسجل الحقائق بحس وجداني.

هل كانت رواية " لم أعد أبكي " تعكس شيئاً من تجربتك مع الصحافة المطبوعة؟
رواية "لم أعد أبكي" استثمرت فيها تجربتي القصيرة مع عالم الصحافة. يعتقد البعض بأنها جزء من سيرتي الذاتية وهذا أمر غير صحيح، فأنا لم أمارس العمل الصحفي كمحترفة ولكنني مارسته كهاوية. لكن من خلال احتكاكي المباشر ببعض الشخصيات أثناء فترة قيامي بالتحقيقات الصحافية، رسمت بحبكة روائية ما يجري خلف كواليس الصحافة السعودية.
بخصوص بطل الرواية!! سألني الكثيرون هل قصدتِ شاعرا معينا؟! لقد أكدت للجميع بأنني استثمرت بعض الوقائع التي حصلت في الأوساط الثقافية بالأعوام الأخيرة في خلق شخصية بطل روايتي طلال السعدي.

السياسة والمرأة تعني في مجتمعنا احذر من الاقتراب... أليس لقلم زينب حفني مايخشاه؟
عندما أمسك بالقلم أنسى نفسي، ولا أذكر سوى المداد الذي اسطّر به كلماتي على الورق، بدون فخر هذا ما جعلني أتميّز عن بنات جيلي. توقفت بسبب جرأة مقالاتي عدة مرات عن الكتابة ولكن هذا لم يثنني ولو للحظة في التراجع عن الطريق الذي رسمته لنفسي. الكتابة قدر جميل وإن كان قدرا قاسيا في بعض الأحيان.

ما هو رأيك في الحركة الأدبية النسائية في المملكة؟ ولمن من الكاتبات السعوديات تقرأ زينب حفني؟
الحركة الأدبية النسائية في السعودية تشهد تطورا ملحوظا مقارنة بعالم الصحافة الذي ما زالت المرأة فيه تتقدم يبطئ شديد، وهذا يعود للعرف الصارم السائد، الذي يصر على الفصل بين عالمي المرأة والرجل!! أتمنى أن أرى اليوم الذي تتبوأ فيه الصحافية السعودية رئاسة تحرير صحيفة محلية، كونها من وجهة نظري قد أصبحت ناضجة لتولي هذا المنصب، مع الانفتاح الإعلامي والثورة المعلوماتية المنتشرة في عالم اليوم... ليست هناك أسماء محددة، أنا أقرأ كل ما يقع تحت يدي لكاتبات سعوديات.

الم تفكر زينب حفني في التواصل مع جمهورها عن طريق الشبكة العنكبوتية وذلك بتخصيص موقع رسمي لها يضم مقالاتها وآخر أخبار كتبها؟
كلما قررت إنشاء موقع خاص بي على شبكة الإنترنت، أرجئ هذا القرار حتى أنجز العمل الذي بين يدي، ثم أجد نفسي محاصرة بأعمال كثيرة تجعلني أتكاسل. لكنني أعدك بأنني سأبدأ في التفكير جديّا لإنشاء هذا الموقع قريبا، من أجل التواصل مع قرائي الذين هم الدافع الكبير في استمراري بعالم الكتابة إلى اليوم.