"فيه واحد مات لازم نحزن عليه"

الإعلامي مفيد فوزي يعلنها صريحة: جمهور اليوم (شبع) موت

خاص - عربيات
صور وفيديو

في مكتبه بالقاهرة، وعلى أنغام فيروزية خافتة، كان الحوار مع الإعلامي مفيد فوزي أحد أبرز المحاورين في تاريخ الإعلام العربي، تميز بأسلوبه الذي قد يشبع فضول المشاهد أو كما يراه البعض أكثر الإعلاميين قدرة على استفزاز ضيوفه.

"عربيات" أن  تتجاوز التعارف الذي اعتادت عليه الحوارات، وأن تقفز بعيدا عن هذه السنوات من الخبرة والشمولية،  لنكون أكثر أقرب إلى شخصية ضيفها.

المثال بـ"جماليون" -الذي تتلمذ على يد زويكسيس الإغريقي- هو نموذج للفنان الذي يعشق أعماله، أي يعشق نفسه، وكل الفنانين بجماليون، وليس فناناً من لم يكن أنانيّاً! فذلك يحفزه على الإبداع، مفيد فوزي، متى يقف أمام المرآة لينحني لنفسه؟
رفع رأسه نحو سماء غرفة المكتب ثم أجاب دون تردد: صدى ما أقدمه سواء بالكلمة أو على الشاشة "الصدى" يزرع في داخلي درجة اعتزاز بالنفس لكن ليس بالضرورة أن أنحني لنفسي أمام المرآة ! ربما كانت تفعل ذلك (مديحة كامل) فهي جميلة الملامح أما أنا فجمالي الفتّان هو "دماغي" فقط .

 حين أكون عاشقا أشعر أني ملك الزمان أمتلك الأرض وما عليها وأدخل الشمس على حصاني. حين أكون عاشقا أجعل شاه الفرس من رعيتي وأخضع الصين لصولجاني وأنقل البحار من مكانها ولو أردت أوقف الثواني.

هذا هو نزار الرجل عندما يعشق؛ فوزي عندما يعشق ماذا يقول؟
أخاف على المحبوبة.. "الخوف" عندي هو أدق شعور .

مفيد فوزيبنت الأقصر "الإذاعية القديرة آمال العمدة" هي أروع حالات العشق بداخلك.. هل لنا بالتحدث عنها؟
تنهد بعمق وبنبرة يعانقها الحزن أجاب: آمال نموذج إنساني لامرأة أحببتها ومضت، ولا تزال أمام عيني! فكل نجاح في حياتي مرده إلى آمال العمدة;  فقد وقفت معي، تحملت غيابي، أسفاري، وهي صاحبة النظرة البعيدة وبرأيي: المرأة تملك بإستمرار بعد بعيد ونظرة ثاقبة .

 بطبيعتك تميل أكثر إلى شمال مصر أم صعيدها؟
ولدت في بنها وعشت فترة طويلة في بني سويف.. أنا مقترب من الصعيد إلى حد ما.. وآمال أفضل ما أنتجه الصعيد لي .

زوجة كارل ماركس رائد الشيوعية وزوجة عالم النفس فرويد  وزوجة الأديب توليستوي و"اكزانطيبة" زوجة سقراط وغيرهن من زوجات العظماء اللاتي لم يكن عظيمات؛ لماذا اهتمت بعض الكتب بإبراز اللاعظمة هذه! هل لأن التاريخ يكتبه الرجل- كما يقولون؟
نظر إلى أوراق فوق مكتبه وأشار إليها قائلا: بدأت في كتابة تاريخي الطويل! أي سيرتي الذاتية، وقد خصصت فصلا كاملا عن سيدتي "آمال العمدة" لأنها تكاد تكون هي من أسست فكر حياتي، وحينما مرضت لم أتركها لحظة واحدة حتى اخر ثانية من العمر، وبرحيلها أنا فقدت الكثير ولازلت.

من أين تستمد طاقتك الإبداعية والانسانية ؟
بصوت يملأه القوة أجاب: لا شئ سوى "الحماس"، إضافة إلى أنني أحب ما أفعل من عمل .

هل يمكن ان ينجح الإنسان وهو يعمل ما لا يحب؟
نعم يا أسماء، ممكن جدا، ولكنه نجاح منقوص "غير مكتمل" .

هل سعيت إلى التليفزيون؟
أنا أحب الكتابة ولم أسع إلى التليفزيون، بل سعى هو إلىّ بعد مشواري الناجح في عالم الكتابة . 

أتذكر متى  نشر لك أول مقال؟ وأين؟
إبتسامة طفولية ارتسمت على وجهه وقال: كان ذلك في عام 1957 ، العدد الرابع من مجلة صباح الخير. وبعد حوالي 11 عام صرت رئيس تحريرها .

الأفكار المجنونة تجتاحنا لتغزوا وحدتنا بأسئلة تكون عقيمة الأجوبة احياناً. هل لي بمعرفة أكثر الأفكار جنونا التي راودتك طيلة سنوات عمرك؟
باستمرار تحتل رأسي أفكار ليست تقليدية، يمكنكِ تسميتها "مجنونة" أو "غير مطابقة للعصر" أو سميها كما تريدين فأنا أكره النمطية والتقليدية، حتى العواصم التي أحببتها من مدن العالم أراها بشكل مختلف! على سبيل المثال: أحببت ميلانو لأنها امرأة مجنونة غجرية، طوكيو لأنها امرأة غامضة.. ليلها أهم من نهارها، عمان لأنها جميلة هادئة بارعة، لندن لأن فيها غموض الليل وانسيابه وطقوسه الخاصة، القاهرة لأن فيها بشم نفسي وأجد روحي وكيف لا وكل حتة في جسمي منها فهي بلدي وحبيبتي رغم التراب والزحام وكل الأزمات .

تنمو الأصابع المبتورة لتغرس بذور بيضاء في وطن الحب؛ فيرحل العدو ومعه الحقائب السوداء. ما هي الوطنية برؤيتك؟
الوطنية هي البطولة الصامتة.. هي  أن أعمل، أضيف، أقدم شيئا ..

ومصر كيف تراها الان ؟
مصر بلد به مخاض كثير، صخب كثير، حركات وتيارات كثيرة.. لكن لا بد ان يرسو يوما ما على شاطئ !

 

متى تفرح من القلب ؟

مفيد فوزي مع حفيدهأفرح عندما يفرح (شريف) حفيدي، لكن لا أهتم اذا روندا اتغلبت 3:0 أمام مصر! لأنني أرى العقل المصري ينحدر الى الحذاء وأنا أريد له فقط العقل، وها أنا أحاول ألا تكون كرة القدم في مقدمة أولويات اهتمامات شريف خاصة بعد ان أخبرني ذات مرة انه يحلم بالسفر الى لندن ليرى أشهر لاعبي كرة القدم .

متى تحزن؟
أحزن من المتبدلين الذين يقبلون ثم يَفْطُرون ، يقبلون ثم يتحولون.. الصداقات التي تنمو ثم تموت فجأة.. هذا يحزنني جدا ولكنه حزن مؤقت! فقد أدركت ان الصلابة ألا أحزن أو أفرح من عوامل خارجية..بل لا بد ان تكون من داخلي .

أستاذنا القدير مفيد فوزي، بمن تأثرت من الكتاب والمفكرين عربيا وعالميا؟
في الصحافة: محمد حسنين هيكل، في القصة: يوسف ادريس، الفكر والفلسفة: زكي نجيب محمود، الكتابة للمرأة: إحسان عبد القدوس ونزار قباني. أما من استطاع ان يشكل عقلي ويجعل بداخلي منطق ورؤية هو أحمد بهاء الدين .

خلال رحلاتك الحوارية مع العديد من الشخصيات، اخبرنا بالشخصية التي توقفت عندها طويلا؟
استمتعت بحواري مع أكثر من شخصية.. من بينهم: أحمد زويل، محمد البرادعي، نجيب محفوظ، يوسف وهبي، دكتور حسين فوزي (علامة من علامات الفكر)، صلاح طاهر (رائد الفن التشكيلي) .. كل هؤلاء حاورتهم واستمتعت جدا .

ماذا عن لقب العندليب الأسمر! فنحن جميعا نعرف انك من اطلق عليه  لقبه  الشهير هذا .. ولكن  محمد بديع  سربيه- مؤسس مجلة الموعد اللبنانية – أعلن في كتاباته انه هو مطلق هذا اللقب. ليتك تبين لنا هذا الامر؟
يمكنه ان يعلن ما يريد.. أما أنا فلا أختزل فن عبد الحليم في لقب ولا فن سعاد حسني في زواجها من عبد الحليم حافظ.. فهو فنان له قيمته وكيانه وهي فنانة قائمة بذاتها .

في نهاية الثمانينيات أجريت حوارا مطولا-أذيع على حلقات- مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب. يا ترى ما هي الرسالة التي أراد توصيلها ؟
أراد ان يؤكد لي قيمة الموسيقي قبل الموسيقى، أراد ان يؤكد لي شيئا شديد الأهمية وهو "ان فيه واحد مات لازم نحزن عليه جدا..وهو الجمهور!"، عندما يموت الجمهور فان الفن يتراجع في الذوق والاحساس . 

وما رأيك في جمهور اليوم؟
يضحك ساخرا: دا شبع موت !

 ماذا عن "أسماء لامعة" أول كتاب صدر لك؟
أسماء لامعة كان في بداية حياتي ثم جمعت أهم 50 حوار في كتاب "هؤلاء حاورهم مفيد فوزي " ، يليه كتاب "كندا حلم المهاجرين" .

ما طبيعة السياسية التي كنت تتبناها أثناء توليك رئاسة تحرير صباح الخير؟
رئيس تحرير عاشق للكتابة، أنفذ ما كان في رأسي من أفكار وأحلام، كنت أعمل مع مجموعة المحررين كفريق عمل واحد .

هل لك طقوس معينة أثناء الكتابة؟
لا أتناول القهوة ولا الشاي ولا النبيذ ولا باخد كورس دخان.. فقط الورقة والقلم.. قلم فلوماستر عادي جدا .

ومتى تقفز اليك الأفكار لتكتبها؟
أحب الكتابة في الصباح الباكر، أو بعد العصر (فور استيقاظي).. أي 7 صباحا أو 7 مساء .

"الدعاة الاسموكنج" هو مصطلح أطلقته على بعض الدعاة(مثل عمرو خالد). هل لنا بمعرفة دلالة هذا المصطلح ؟!
أبدا، لم أطلق عليه ولا على أي أحد هذا المصطلح من قبل !

لكن شبكة الانترنت مليئة بالعديد من الموضوعات التي تتحدث على لسانك بهذا المصطلح وغيره ؟
النت هو ساحة الفضيلة والمعرفة أحيانا، وساحة الزج بالأسماء والأفكار المغلوطة أحيان أخرى .

هل يمكن ان تصف نفسك بـ التدين؟
العلاقة بيني وبين الله ولا أحد يعرفها.. ثم أنني لا أحب ان أسير معلقا الصليب في رقبتي وحتى منتصف جسدي .

هل يمكن أن يتوحد العرب؟
حلم "يوتوبي".. بعيد المنال.

أريد شهادتك على الكتّاب الموجودين حاليا على الساحة؟
في مصر يوجد أكبر عدد من كتاب الأعمدة..

وهل ترى ان هذه الكتابات ساهمت في تغيير الواقع؟
نعم، ولكن بنسبة قليلة .

لمن تقرأ من كتّاب الأعمدة ؟
قديما، أحمد بهاء الدين. وحاليا، مجدي الجلاد لأنه عاقل، سليمان جودة لأنه منطقي، محمد أمين في الوفد لأنه ساخر، صلاح منتصر لأنه هادئ ..

الشاعرة والاعلامية حنان مفيد فوزي.. ما تقييمك لها؟
حنان ابنتي وأنا متحيز لها.. استطاعت ان تكتب الشعر بينما لم أكتبه أنا.. رغم ذلك لم أتدخل أبدا في مشوارها

كلمة في نهاية الحوار توّد التكرم بها؟
أود إن أشكرك على الحوار الشيق كما أود أن أعلن للعالم بأسره بان "أسماء عايد" كاتبة تملك ندرة الموهبة وندرة الأسلوب، كما أنها تتميز بنضارة الذهن  والثقافة هائلة وأتوقع لها مستقبل باهر.