تجربة الأمير خالد الفيصل الشعرية تمتلك كل مقومات الوجود

لقاء مع الشاعرة الدكتورة لويزا بولبرس

المغرب- عبدالواحد أستيتو

ليس من الغريب أبدا أن تشعر بالإنبهار و أنت تتحدث مع الشاعرة والدكتورة "لويزا بولبرس"، فمعها تتأكد أن ما يقوله الآخرون عن المرأة العربية و المسلمة محض افتراء. لويزا بولبرس دكتورة و شاعرة وباحثة في اللغة العربية ولها عدد لا يحصى من النشاطات التي تشعر معها حتما بأن كل القيود التي يدعون أن إبداع المرأة العربية مقيد ومحدود بها لا وجود لها. كما أن تواضعها الجم ولغتها الشعرية المبهرة يجعلانك تشعر بالارتباك  وربما بالضآلة .

تابعوا معنا في عربيات هذا الحوار الشيق.


أنت أستاذة جامعية متخصصة في علم اللغة و شاعرة، ماذا يعنيان لك هذين المصطلحين: اللغة و الشعر؟
كل مصطلح يكمل الآخر، إذ ليس ثمة مدخل إلى عالم الشعر إلا من خلال اللغة. بالشعر نتوق إلى التغلب على الهشاشة و العبثية، و باللغة نملأ شقوق الزمان و نعلو على الوجع التاريخي الصعب، و بالشعر نعود إلى الفطرة الأولى و نتشح بالبياض عند المنابع لنمنع الحياة من السير في طريق الانحلال، و بالكتابة نخلق كوننا الخاص بنا عندما يضيق بنا هذا العالم الآخر الفسيح، فليس الإنسان جرما صغيراً و إنما فيه انطوى العالم الأكبر فوسع الحقيقة قلبه و حاور الباطن لسانه، ووحد الكائنات حبه. وبالحب نكتشف في أعماقنا كهوفا بلورية تنعكس فيها الأرض و السماء فلا نعرف أيا منهما من أي منهما، أما الواقع فأينما نولي وجوهنا فثم واقع، و في خسارة الواقع ربح للفن. كما لا يخفى عليكم بأن الشعر تاريخيا كان أكثر دلالة على التحول الاجتماعي لأنه كان في مجمله أقل التصاقا بالواقع، و لا يمكن لهذه المفارقة أن تتضح إلا عندما نلاحظ أن الشعر أكثر التصاقا بعمق الإنسان و أقدر تعبيرا عن الجوهري فيه، لذلك أرى في تخصيص يوم عالمي للشعر إعترافا بهذا الدور الذي للشعر فيه نشر المحبة والتناغم مع الحياة و التوازن بين مقومات الإنسان، و من هنا أعلن عشقي للغة العربية وللشعر العربي و للثقافة العربية و للأمة العربية.


تعتقدين إذن أن الشعر لا زالت له مكانته في زمننا المادي؟
حضور الشعر في زمن محتضر غير شعري هو تصحيح للمسار وضرورة من ضرورات الاستمرار. فالشعر ملء لفراغات الذات و العالم لإدراك معنى الوجود. فما أجمل أن نتكلم و إن ترسخ فينا أن الصمت حكمة، فبالكلام نكون نحضر.. نشهد.. ونبصم بالذهب على الأشياء. وكم هو جميل أن نقول الشعر  أو أن نكتب الشعر و أجمل منهما أن نسمع الشاعر ونكتب عن الشاعر مادام بذاته يمر على الربى فتهتز وردا و تربو أقحوانا.


قمت بدراسات عن الشعراء وسبق أن قلت أنك عاشقة للشعر العربي وللغة العربية أي الشعر المكتوب باللغة العربية الفصحى، لكن لماذا أقدمت على دراسة لشعر الأمير خالد الفيصل النبطي؟
إن تجربة سمو الأمير خالد الفيصل تجربة خاصة و متميزة امتلكت كل مقومات الوجود وحازت على كل مؤهلات الخلود، فهي قد انطلقت من جبال عسير و قطعت جبال الأطلس ووصلت إلى جبال الألب و كانت طوال تلك الرحلة واثقة من الوصول و متأكدة من التواصل. إن في تجربة سموه تداخلا في الأجناس و تمازجا في الأنواع و تعددا في الأصوات وهي بتلك الخصائص والمواصفات تجسد غزارة الموهبة ومهارة الصنعة وصدق الإحساس، و هي بذلك تحط على القمم الشامخة من تضاريس الشعر العربي، ففي شعره ورسوماته حضور لامرئ القيس ولأبي فراس الحمداني وللمتنبي وللشريف الرضي و غيرهم. و لقد قاده الحس إلى هؤلاء بما يعتمل فيه من حالتي الانقباض والانبساط وما يتفرع عنهما من أضداد و متناقضات و الدراسة غنية بالشواهد، فالأمير خالد الفيصل رائد من رواد الشعر النبطي الذي روض هذا النوع و هذب لغته وجود موسيقاه وحمله من المعاني العميقة والحكم البليغة ما جعله يرقى إلى الشعر الفصيح، فوسع بذلك قاعدة متلقي هذا الشعر .

حسناً، لكنك لست متكلمة أصيلة للهجة النبطية فكيف تعاملت مع لغة سمو الأمير خالد الفيصل العامية؟
هذا السؤال طرح علي أثناء محاضرتي في لبنان والتي قمتم ف عربيات بتغطيتها وكانت بعنوان: "بؤرة التبدي وأشكال التناص في شعر خالد الفيصل"، و كان ذلك على هامش المؤتمر التكريمي الذي أقيم لسموه في شهر مايو 2000 بمناسبة اختيار بيروت عاصمة للثقافة العربية، أقول إن الأمير خالد الفيصل قد هذب الشعر العامي ورقاه إلى الفصيح، إذ نجده أثناء قراءاته الشعرية يمهد بشرح بعض المصطلحات التي قد يستعصي على المتلقي فهمها. أما المثقف العربي فلا أظنه يجد صعوبة في فهم شعره، فلنأخذ مثلا هذا المقطع من شعره و لك أن تحكم .. يقول سمو الأمير :

مرت الستين و الشايب طفل +++ توي إدرس في كتاتيب الحياة

مرت الستين مازال الجهل +++ كل ماجيت أستره يكشف غطاه

مرت الستين فكري ما اشتعل +++ كل ما أشعل جذوته وقتي طفاه

مرت الستين دربي ماكمل +++ واقف في راسه أتأمل مداه

فمن لا يفهم المقصود بهذه الأبيات العميقة و عباراتها الواضحة؟، أيضا ما يسر لي الفهم الحقيقي لكل ما أنشده الشاعر هو أشرطة الفيديو التي توثق الأمسيات الشعرية التي أحياها سموه في العديد من العواصم العربية و الغربية، إذن تزودت بأكثر من معطى خارجي قبل توطين النفس على السفر في النص، والحمد لله تركت الدراسة صدى طيبا لذلك طلبت مني اللجنة العليا للندوة التكريمية لسمو الأمير عبد الله الفيصل، و الذي سيتم تكريمه من طرف الشيخة سعاد الصباح في الصيف القادم طلبوا مني إعداد دراسة عن ديوانه النبطي "مشاعري" ولم يطلبوا مني دراسة عن دواوينه الفصيحة كـ "حديث القلب" أو "محروم" .


شاركت في لبنان في لقاءات فكرية بمناسبة اختيار بيروت عاصمة للثقافة العربية، وقد كانت الرياض أيضا عاصمة لها وهذه السنة الكويت، فما رأيك بهذا التقليد؟
قرار اختيار مدينة عاصمة للثقافة العربية قرار له أبعاده و دلالاته، فهو يمثل إعترافا عربياً ودوليا بالدور الريادي الذي تقوم به هذه المدينة أو هذه الدولة في إبراز عناصر الثقافة العربية، و هي أيضا اإتراف بالمقدورات الثقافية التي تمتلكها المدينة سواء كانوا علماء أو مفكرين أو مبدعين أو باحثين أو مؤسسات ثقافية تسهر على إيجاد بيئة ثقافية ناضجة، إذ لا شيء أقوى من الثقافة على فتح الذات نحو أعماقها لاستبطان عوالم أكثر رحابة و صدقا. و نشر المادة القافية و إشهار خطابها في المجال العمومي و توزيعها عبر قنوات. مثل هذه الملتقيات من شانها أن تجعل الفرد يستجيب فاعلا ومنفعلا للتحولات التي يعرفها الوطن العربي. فما أحوج المثقف العربي إلى توثيق العرى  وتبادل الرؤى بخصوص كثير من القضايا التي تشغل باله.


تجاوزت خريطة العالم العربي لتمثلي المغرب في إيران في الأسبوع الثقافي التضامني طهران – فلسطين، تكريما لشهداء الانتفاضة فماذا عن هذه الزيارة؟
ليست هذه أول زيارة لي لإيران، فقد شاركت من قبل في ملتقى سعدي السيرازي بطهران و شيراز، لكن هذه المرة اجتمعنا في ظروف صعبة حيث استبيح دم المحرمات ودنست المقدسات، فلا أحد ينكر دور إيران الريادي في نصرة قضايا المسلمين وعلى رأسها أولى القبلتين و ثالث الحرمين القدس الشريف. ولقد جاءت هذه المبادرة من قبل رابطة الثقافة و العلاقات الإسلامية بالتعاون مع المنظمة الثقافية الفنية لبلدية طهران، حيث نظمتا أسبوعا ثقافيا فكريا وفنيا تكريما لشهداء الانتفاضة المباركة وكان لي شرف إسماع صوت بلدي في هذه التظاهرة القافية العربية الإسلامية المتميزة التي شارك فيها نخبة من الأدباء و المفكرين و الشعراء والفنانين. و لعل إسماع صوت "قنبر علي" من باكستان و"فاطمة راكعي" -عضو مجلس الشورى الإيراني - و السيد "كاشاني" - رئيس اتحاد شعراء إيران و"مظفر النواب" من العراق و "محمد القيسي" من فلسطين و "أديب حيدر" من لبنان و "لويزا بولبرس" من المغرب، دليل واضح على أن صوت الشاعر الثائر لابد و أن ينتصر لأنه لا يقول إلا الحق و الصدق، و الحق يعلو ولا يعلى عليه. لذلك أقول: إن الحباحب تبرق، لكن الشمعة تضيء، و أن نشعل شمعة أو شمعتين خير من أن نألف الظلام.


أنت الآن تحاورين من طرف موقع على الإنترنت، تشعرين أن الزمن تغير فعلا؟ أم ترين أن كل هذا لن يعمر طويلا؟
فعلا الزمن تغير كثيرا، و تقنية الإنترنت و المعلوميات أفادت الأدب كثيراً شأن كل المعارف، إذ حققت له فرصة التلقي أكثر في ظرف وجيز و بسهولة، وأصبح العالم بواسطة الإنترنت بمثابة بيت صغير أو قرية صغيرة كما يقولون  يتحقق فيه التواصل من غير الحواجز الجغرافية أو السياسية أو الاجتماعية.. و لا يمكن الرجوع إلى الوراء لأن هذا العصر عصر المعلوميات التي حققت قفزة نوعية ولا مجال لها للتراجع.

كنت صاحبة خيمة الشعر العربي التي انعقدت لأول مرة بالمغرب ثم تكررت التجربة،  نريدك أن تحكي لنا عن ظروف ميلاد هذه التجربة؟
تعتبر هذه الخيمة أول خيمة شعرية دقت أوتادها بالمغرب وكان ذلك في 2 أكتوبر 1999 بـ"فاس" للتعبير عن الوفاء لقائد الأمة و باعث نهضتها جلالة الملك الحسن الثاني طيب له ثراه. و قد شارك فيها نخبة من شعراء المغرب والمشرق للإشادة بمناقب جلالة الملك الراحل ثم انتصبت للمرة الثانية في جو ربيعي حالم يوم 5 مايو 2000  حيث سعد جمهور فاس المثقف بسماع أصوات عربية ما فتئت تؤكد الحضور الثقافي البهي لفاس من خلال التنوع و الاختلاف و التمثل و الاستشراف. أما الخيمة الثالثة فقد خصصت لتكريم الوطنية مجسدة في الحماسة المغربية في شخص علمين بارزين هما الدكتور "عبد الحق المريني" الباحث في علم تاريخ الحضارة المغربية و الأستاذ الشاعر "محمد الحلوي" رائد القصيدة المغربية"، والذي أنعم عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بوسام الكفاءة الفكرية وهو وسام فخر لكل مبدع مغربي و عربي. فتأتي هذه الخيمة في إطار حرصها الدائم على تفعيل المشهد الثقافي العربي ودعم الثقافة الشعرية. و آمل – بعد عودتي من الديار المقدسة لأداء فريضة الحج هذه السنة إن شاء الله - أن يوفقني الله في أن أعمل على نصب هذه الخيمة للمرة الرابعة وسيؤثث فضاءها شعراء من العالم العربي والإسلامي حول انتفاضة الأقصى المباركة. أضيف أنها خيمة رمزية نستظل بها من هجير الواقع اللافح و نتدثر بها من هجير الحياة الممض.


علاقتك بالمملكة العربية السعودية في ثلاث كلمات؟
علاقة روحية، فكرية ووجدانية .


الكلمة الأخيرة..
تحية حب و تقدير لكل عاشق للغة القرآن ، و للثقافة العربية الإسلامية الأصيلة وهي صالحة لكل الأزمان.