نحن واسطة بين الفكر وبين شعوبنا

على ميعاد مع الشاعر عبدالرحمن الأبنودي

صنعاء - حوار: محمد السياغي
صور وفيديو

عقد تحالفاً مع الإبداعات الشعبية في قريته أبنود، فاستلقى بعداً إسانياً عميقاً في ثنايا شعره العامي... وفتش عن الشاعر الحقيقي في الدروب والأودية والأزقة، فعثر على شاعراً عظيماً.. واقتفى سيرة بني هلال على مدى 30 عام فخط اليازت الشعب العربي. الشاعر العربي القدير عبد الرحمن الابنودي .... التقت به عربيات في صنعاء أثناء مشاركته  في إحياء أماسي وصباحات أيام صنعاء الثقافية.. وأثار معه مراسل عربيات عدد من التساؤلات نقدمها لكم في هذا اللقاء.


جدي المتنبي

بمن تأثر الابنودي؟
نشأت فقيراً جداً .. وعشت حياة قاسية .. كان جدي رجل دين وأستاذ في المدينة لكن أنا وأمي عشنا فقراء فترة طويلة .. وكان لزاماً علي أن أعيش حياة القرية .. هذه القرية حتى تعيش فيها إما أن تعمل أو تموت .. لايوجد فيها شىء إضافي .. وحياتها  قاسية جداً .. كنت أرعى غنم جدتي .. هل  تعلم  أن مهنة الرعي هي مهنة الأنبياء؟.. تتيح لك تأمل صفاء الدينا كلها، فتراقب الوجود  وتراقب النبات وتراقب الأرض والفصول.. تراقب وتتأمل في خلق هذا الكون وترتيبه وانتظامه.. وهذا يمنحك قدرة على التأمل تظل معك طوال العمر.

وكما أدين للقرية بالجانب العلمي أدين لها  بهذا الجانب الروحاني التأملي .. بالإضافة إلى الشعر والغناء الذي يمارسه الجميع أثناء العمل..  فأنت في هذه القرية مثل "الاسفنج" تمتص كل هذا الشعر والغناء والفن الجميل، ولذلك عندما يسألني أحد بمن تأثرت؟.. أقول تأثرت بحوالي مئة شاعر كلهم يرتدون جلاليب، وحفاة، ولا أستطيع أن أذكر أسمائهم لأنكم لن تتعرفوا على أحد منهم.. تأثرت بهؤلاء أصحاب المعاني الرائعة، التى لم تكتب في الشعر الشعبي،  ولم تغنى في الراديو.

بعدها في مراحل التعليم الدراسي قرأت  وازدادت معرفتي بالكثير من شعرائنا العظام مثل  المتنبي، أبو العلاء، وغيرهم.. وحاولت أن أخرج برؤية جديدة مستقلة يفهمها الملايين.

شاعر فصحى اكتب بالعامية

لماذا الشعر العامي؟
أنا لست شاعراً عامياً أكتب بالفصحى، أنا شاعر فصحى أكتب بالعامية، وخريج كلية آداب قسم لغة عربية.. ولي دراساتي وكتبي باللغة العربية.. كما أنني نشأت في بيت "الشيخ الأبنودي"  وهو بيت علم حيث كان والدي فقيهاً ومدرساً للغة العربية والآداب.. وأنا ابن اللغة العربية.. وعندي اللهجة العامية ليست اقليمية وهذا لايعني  التكريس للتفرقة والعنصرية.. بل على العكس وجدت لغة نستطيع أن مجتمع حولها جميعاً، هي لغة جوانبنا، ولغة شعوبنا الأصلية، قبل أن تغزونا لهجات المسلسلات والسينما. وأنا أكتب في عدد من الصحف المصرية ولي صفحة في جريدة الوفد وأخرى في جريدة الأخبار  باللغة العربية الفصحى.. لكني اخترت الشعر العامي كموقف وواسطة بينى وبين الناس حتى اتصل بجمهوري بدلاً من أن التقوقع.

أقدم رغيف خبز للبشر... ونحول الشعر إلى خير حقيقي يأكل منه الرجل البسيط ويشبع.. شعر تبقى  له قيمة حقيقية تلمس باليد.. أنا دائما أقول الفلاح يزرع لنا قمح، والعامل يخبز لنا رغيف.. أما نحن المثقفون ماهي مهمتنا؟ لابد أن نقدم  شىء يلمس باليد.. لهذا اخترت العامية، وأنا عاشق للغة العربية الفصحى.

 غرور المثقفين

معنى ذلك اختلاف في الموقف بين شعراء الفصحى والعامية؟
نحن شعوب حُكِم علينا بمساحات واسعة من الأمية ولايجب أن يتحول الفكر والفلسفة وابداعات الشعوب والأمم إلى متعة شخصية.. إنما نحن واسطة بين الفكر وبين شعوبنا.. لذلك أنت شاهدت بنفسك أن مجموعة من البسطاء حضروا هذه الأمسية ليس لأني أقدم أشياء بسيطة وإنما لانني أقدم أشياء ذات قيمة كبيرة  بلغة بسيطة وبطريقة يفهمها الجميع... ثم لاتنسى أن هذه الجماهير والتى نقول عنها دائماً  بسيطة ابداعها رائع وكبير وهام جداً، وطبعا المثقفين لهم غرورهم ولايمكن يتحالفوا تحالف حقيقي مع الابداعات الشعبية .

لابد من صنعاء ولو طال الزمن

ألست معي في أن المتغيرات الآن فرضت على المثقف تقديم ثقافة شعوبه في محاورة للآخر؟
صحيح وهذا ما نقوم به.. الشعوب العربية صاحبة حضارة عريقة والغرب يدرك هذا وأنا أشرت في الأمسية لذلك  الترابط الحضاري الوثيق بين الشعوب العربية من خلال الحديث عن النقوشات التى كنت اراها على ابواب البيوت في قريتي أبنود، وعلى غلقان الدور "المفاتيح الخشبية"، كنت أتسائل دائماً من أين جاءت؟ إلى أن شاهدت بيوت اليمن في الجنوب، بالذات حضرموت فعرفت مصدرها، ولو بحثت على أنواع الأطعمة والعادات والتقاليد والطقوس، تجد أن الصعيد كلة ينقسم إلى اليمني والحجازي.. إنما ستجد أن السمة اليمنية غالبة جداً.. ومن هنا يمكن أن تتصور عمق هذا الترابط الحضاري الأزلي. الشعوب العربية صاحبة حضارة موغلة في أعماق التاريخ.. هذه الحضارة لم تأتي من فراغ... وهذا الذي يجب التركيز عليه لمحاورة الغرب، ولن يكون صدى صوتنا كمثقفين بالمستوى المطلوب، مالم توجد وحدة في الرؤى والمفاهيم نستظل تحتها جميعا. أنا قمت بزيارة  حضرموت وشبام  التي مازال سحرها ملقى بضلاله على عواطفي منذ 15 عاماً... وكنت دائما أحن لصنعاء، لانه لابد من صنعاء ولو طال الزمن، وأنا سعيد بأنني اليوم فيها، وأتمنى العام القادم عندما تصبح صنعاء عاصمة الثقافة العربية أن نشارك بجهد أكبر فيها.

جمهور أدبي

كيف وجدت الجمهور اليمني؟
الجمهور اليمني أنموذج للخلق الأدبي لأن علاقته بالأدب علاقة احترام كبير جداً وهذه الشعوب الأصيلة ذات التاريخ هي التى تتمتع بالصفاء  والاستماع و العشق للأدب.. أنا  تنقلت بشعري في جميع الدول العربية والأوروبية... واليوم كنت أشعر  بأنني في قريتي أبنود كاني ألقي  الشعر على أخوتي  في البيت .

 

المحضار حالة شعرية نادرة

وماهو تقييمكم للساحة الادبية في اليمن؟
اليمن لم يبنى على رمال.. فاليمن ومصر متقاسمين كوب الحضارة والوعي.. أما عن المثقفين اليمنيين، فهم أخوة وأحباب ونعرفهم في القاهرة مثل الدكتور عبدالعزيز المقالح صديق الشاعر العظيم عبد الله البردوني رحمة الله، وطبعا الدكتور المقالح  يعتبر الواسطة اليوم  بين المثقفين المعاصرين في اليمن ومصر وله لدينا شعبية  ومكانة خاصة هو وشعره ودراساته.. أيضا أنا تحدثت  عن الشاعر اليمني الكبير حسين ابو بكر المحضار رحمة الله عليه وأرى أنه لابد من الاهتمام به بشكل أكبر في اليمن وتلميع ملامح أعماله لأنه يستحق أن يكون رمزاً بالرغم من أنه لم يحظى بالشهرة في عالمنا العربي بسبب صعوبة اللهجة.. لكن الشاعر الحقيقي يبحث عن الشاعر الحقيقي في الأزقة والدروب والصحاري والجبال.. وحسين أبو بكر المحضار حالة  طيبة جدا ونادرة  من حالات الشعر العامي وكتابة الأغنية.

الياذة الشعب العربي

أخيراً ماهو أكبر مشروع أدبي يخلف الابنودي ؟
لي 30 سنه أجمع  سيرة "بنى هلال"  الملحمة العربية من كل الجحور والجبال والمنعطفات في مصر وسافرت ورائها تونس وتشاد ونيجيريا والسودان.. وأصدرت منها مجلدين كبيرين وبقية المجلدات سوف تصدر كإبداع شعبي كبير.

وأنا أعتبر شعرى جيد.. لكن مصر ولادة للشعراء.. وسيأتي شعراء أعظم منا وأفضل.. وسيبقى من ذكراي أنني جمعت من أفواه المنشدين هذا العمل العبقري.. الياذة الشعب العربي.. سيرة بنى هلال .