التصوير تحت أعماق البحار نقلني إلى كوكب آخر

الفنان عمر البحرة

خاص - عربيات

عرفناه من خلال موقعه على الإنترنت الذي يعرض فيه صور متميزة تعكس علاقته الخاصة مع الكاميرا .... فضيفنا الفنان ( عمر البحرة ) احترف مهنة التصوير واختار أن يقتحم جميع مجالاتها مما أثرى تجربته الفنية بالتنوع والتجديد ... وسجلت عدسة كاميراته مشاهد تحفظها ذاكرة المتلقي لتكون شاهداً على الأحداث إلى جانب تميزها والإخراج الإبداعي الخاص ...

نترككم مع هذا اللقاء ...

 

كيف بدأت علاقتك بالفن وبالتصوير الفوتوغرافي على وجه التحديد ؟

علاقتي مع الفن بدأت منذ صغري  ومع بداية ادراكي فأنا من عائلة معظمها من الفنانين و الأدباء فوالدي أديب وصحفي كبير ومن مؤسسي المسرح القومي في سورية و هو ناقد فني و يجيد الرسم .... و كذلك و الدتي و بعض أقربائي من جهة و الدي ووالدتي فزوج عمتي فنان سوري معروف وهو ( ممتاز البحرة ) ، لذا فإن نشأتي في هذا الجو ساهمت في تطور معرفتي الفنية ، ولقد مارست الرسم الزيتي و المائي منذ الصغر ، وأثناء دراستي في كلية الفنون الجميلة كان لي اهتمام خاص بالتصوير الضوئي من خلال مادة تقنية كان يدرسها الدكتور ( إحسان عنتابي ) و الزميل ( نصوح زغلولة ) وكان لهما الأثر الكبير في تنمية معرفتي التقنية في التصوير و التي كنت أحاول أن أجد السبل لتطويرها مستعينا بالأصدقاء ومنهم صديقي ( محمود قاووق ) ، وكنت قد حاولت مرارا معرفتها عن طريق زيارة استوديوهات التصوير ولكنهم كانوا في الغالب قليلي العطاء أو ممارسين تقليديين للمهنة ، ودون تخطيط مسبق  تعاظم اهتمامي في التصوير الفوتوغرافي ، في مقابل التراجع في الرسم بالريشة ، ومن ثم وجدت نفسي أعمل كمصور صحفي في أحد أكبر المؤسسات الصحفية في سوريا ، و قد حاولت في كل فترات حياتي أن لاأجعل المهنة تتغلب على الدافع الفني في التصوير مع استمراري في تطوير الجانب المهني و التقني ، و أحن من فترة لأخرى للرسم بالريشة أو بالكمبيوتر.

 

الزائر لموقعك يلاحظ أن و الدتك (عصام ميرزو) كذلك فنانة فهل كان لذلك دور على توجهاتك منذ الصغر؟  

لقد حرصت و الدتي على تنمية مواهبي حرصا كبيرا ، فقد كانت تشتري لي و لإخوتي الألوان والمواد اللازمة للرسم و تنتقيها من الأنواع الجيدة و كانت حريصة على أن تصحبنا إلى صالات العرض و االمتاحف ، كما أهدتني و الدتي أول كاميرا وكانت بمناسبة عيد ميلادي الثالث عشر و كانت من نوع كوداك وتزود بفيلم من قياس 120 ملم  ، ومن غير الممكن أن أنسى دور و الدي الكبير أيضا و الذي كان يأخذني معه إلى مبنى التلفزيون أثناء تسجيله برنامجه الأسبوعي بالإضافة  إلى الجو الثقافي و الفني الذي وضعنا به .

 

قد تبدو مهمة التصوير سهلة ولكن ماهي السمات التي يجب أن تتوفر لدى المصور المحترف ليتمكن من إخراج صور على درجة عالية من الإتقان ؟

يمكن تعلم نظرية التصوير الفوتوغرافي خلال ساعة ، و المبادئ الأساسية للمارسة خلال يوم (...) لكن ما لا يمكن تعلمه ، هو الوعي الأخلاقي للشخص ( الموديل ) الذي تصوره ، تلك الحساسية المرهفة التي تصلك به وتجعلك تحاكمه وتقودك نحو عاداته ، وداخل أفكاره ، وتبعا لطباعه ، فتمكنك بالتالي لا صدفة ولا ابتذالا ، من التقاط نسخة له ( لدنه ) في متناول أخر الخدم في المختبر ، لكنها نسخة تحمل اقصى درجات المشابهة ، المشابهة الحميمية ، ذاك هو الجانب النفسي  من  التصوير الفوتوغرافي ، وهنا يمكننا التفريق بين المصور الفنان و المصور الذي يقوم بعكس المشهد عبر العدسة من دون دراسة للموضوع ومكوناته ومن ثم من دون المعرفة التقنية ....  بإختصار و بغض النظر عن تطوير المعرفة التقنية و التي من الممكن ان تقوم الكاميرات الحديثة بالتعويض بشكل كبير عنها يجب على المصور أن يطورأدوات الرؤية وادراكها أي العين ، العين التي ترى الجمال وتميزه  ، يجب تدريب العين على تمييز الجمال حتى في أبشع المواضيع .... و الجمال علم يدرس في الجامعات وفي كليات الفنون و بالتأكيد لا تكفي الموهبة الفطرية لإدراك الجمال فلا بد من تنمية الثقافة البصرية عن طريق مشاهدة المعارض و إنتاج المصورين و لوحات الفن التشكيلي و حتى دراسة قواعد الجمال و النسب و هنالك أبحاث كثيرة تتحدت عن الجمال و قوانينه وعن نسب الصور ة و كيفية القطع وزاوية الرؤية ، و مكان التقاط الصورة ، ويجب التنويه أن  زاوية رؤية الموضوع و مكان التقاط الصور يرتبطان ارتباطا وثيقا بالمعرفة التقنية لخصائص العدسات وعيوبها حيث ان لكل عدسة مميزات وعيوب و بالتالي من الممكن أن تؤثر على جمالية المشهد الملتقط وعلى أبعاده وعلى العمق في الصورة  فتصوير لقطة بورتريه بعدسة واسعة الزاوية حتما سوف تشوه  الوجه . ثم يحدد المصور ما يريد التقاطه وأثناء التصوير يأتي دور المعرفة التقنية وهي من الأهمية بمكان رغم التطور التقني الهائل ورغم الكاميرات المبرمجة .  

 

ماهي المشاهد التي تميل إلى التقاط الصور لها؟ 

في الواقع كل المشاهد تثير رغبتي في التصوير و بحكم تنوع  مجال عملي في التصوير بين مختلف أنواع التصوير ومجالاته فلا يوجد موضوع محدد وإن كانت المشاهد الطبيعية  تشدني بشكل أكبر من أي موضوع أخر .

 

ماهي أثرى تجربة في مشوارك الفني ؟

تجربتي في العمل مع لجنة حماية مدينة دمشق القديمة في قسم التوثيق الأثري و التاريخي  رغم أن عملي الرئيسي قد كان في مجال الفيديو و مع ذلك فقد كنت اصطحب كاميرا التصوير الفوتوغرافي إلى جانب معدات الفيديو الثقيلة و الكثيرة ، و قد ربطت كاميرا الفوتوغراف مع كاميرا الفيديو وصممت جهازا لذلك كي اتمكن من التصوير من طائرة الهليوكبتر بكاميرا الفيديو الإحترافية  من دون أن تفوتني فرصة التصوير الفوتوغرافي ،  و كان لصداقتي مع الزميل المصور الفنان ( على النحوي ) و زوجته السيدة ( لبنى الجابي ) والتي كانت رئيسة القسم ، الأثر الكبير في الإستفادة من تجربتهم وخبرتهم و تبادل الخبرات بالإضافة للإستمتاع بالعمل و كانت التجربة غنية  جداً و الإنتاج رائع.

 

هل يميل الفنان عمر البحرة إلى استخدام الريشة أو الكاميرا لإخراج أعماله ؟

لا  يمكن المقارنة بين الإثنين  فالتصوير الفوتوغرافي يلبي حاجة في نفسي تختلف عن الرسم فمن الصعب أن أعبر عن ما يجول بخاطري بواسطة الكاميرا ، والآن مع تبدل العصر وظهور الكمبيوتر كأداة و إستبدال أدوات الرسم التقليدية بأدوات الرسم والبرامج في الكمبيوتر، من الممكن المزاوجة بين التصوير و الرسم و كذلك المزج بين عدد من الصور و التأثيرات و هذا ما أعمل عليه في الوقت الحالي و بالتالي فأنا اربط الأن بين الرسم و التصوير الفوتوغرافي ، وقريبا سوف أطرح مجموعة من الأعمال التي تزاوج بين التصوير و الرسم بواسطة الكمبيوتر.

 

لا شك ان تقنيات الكمبيوتر و البرامج الحديثة قد أدخلت لمسات جديدة على عالم التصوير و الإخراج الفني و لكن هناك رأ ي يقول أن من سلبياتها هو أنها تجعل العمل يفقد  الروح أو الإحساس الطبيعي فما رأيك في ذلك؟  

من يقول بهذا الرأ ي بالتأكيد لا يعرف بالضبط الإمكانيات الرهيبة لهذا الجهاز . و الحقيقة أن الكمبيوتر قد استبدل الأدوات التقليدية للفنون كلها تقريبا بأدوات أحدث و أسرع و ذات قدرة أكبرو أدق في التنفيذ و أكثر عملية من دون أن تستبعد ابداع الفنان أي أن الأدوات فقط هي التي تطورت ، وبالتأكيد لا يمكن لغير الفنان من أن يبدع مع العمل على برامج الكمبيوتر.... و قد شمل التطور و التقدم  كل مناحي الحياة وقد قبلنا هذه التطورات و استخدمناها في العمل و المصنع و المنزل و احسسنا بمدى الجمال و الراحة بعد الإستفادة من تلك التطورات ، و لا أعرف لماذا نصل عند الفنون ونقف .... برأي  أن  تميز الفنون و تأثيرها على المشاهد يعود لإبداع الفنان ذاته  و ليس لأدواته و الأدوات أي كانت ليست سوى و سيلة و الكمبيوتر أحد الوسائل ، فإذا أردنا أن نواكب العصر فعلينا أن نستخدم أدواته كاملة و نستفيد منها في كل نواحي الحياة ... هنالك مشكلة في التعاطي مع جهاز الكمبيوتر هي مشكلة قصور المخرجات أو غلائها و اقصد بالمخرجات الطابعات و أدوات الحفر و النحت الألية التي تحول الفن من مجرد رؤية على الشاشة إلى واقع ملموس ، لكن هذا من الممكن التعويض عنه في المستقبل و في الوقت الحالي يمكن الإستعانة ببعض المحلات التي تقدم خدمات الطباعة و الإخراج رغم أنها حتى الوقت الحالي نادرة و قليلة ونحن نرى اليوم طابعات تطبع صورا ولوحات تعطي نفس انطباع اللوحات الزيتية أو المائية و من الصعب تميزها إلا عن قرب  و بأسعار في متناول الجميع.

 

لك تجربة في التصوير تحت سطح الماء ، كيف تصف هذه التجربة؟

في التصوير تحت الماء تجربة تقنية جديدة و إطلاع على عالم أخر ، الدخول في عالم ما تحت الماء و رؤية الجمال و الألوان الغنية وخاصة في البحر الأحمر و رؤية المجهول تجربة من أهم تجارب حياتي بغض النظر عن المعرفة التقنية التي اكتسبتها وبغض النظر عن نتائج التصوير و التي كانت بحد ذاتها مفاجأة أخرى ، ومن الصعب و صف شعوري بكلمات قليلة سوى أنني أنتقل لكوكب أخر أثناء التصوير تحت الماء ... و لكم أن تتصوروا متعة الإنتقال لعالم أخر .

 

ماهو أطرف موقف و اجهك أثناء التصوير ؟

المواقف كثيرة و أذكر موقف لطيف جرى معي منذ أسبوعين و كنت التقط صوراً  لعجوز تحمل تعبيرا رائعا في قسمات وجهها ، وقد طلبت نقودا مقابل التصوير، وفي أثناء طلبها كنت أصورها وهي تتكلم و تطلب النقود ، تقدم صديق لي و أعطاها بعض  النقود، في هذا الحين اكتشفت أنني  صورتها بسرعة كي اغتنم الوقت ومن دون أن انتبه أن الكاميرا لا تحوي فيلم ، وبعد تركيب الفيلم  حاولت التصوير من جديد لكن العجوز ابتعدت ، قائلة أن النقود مقابل ما سلف من التصوير وإذا أردتم  التصويرمن جديد فالدفع يتم مرة أخرى .

 

ماذا يمثل الفنان الشهيد ( ناجي العلي ) بالنسبة لعمر البحرة ؟ 

قضية فلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني في الداخل و الخارج قضيتي الرئيسية ، و الشهيد (  ناجي العلي )  يمثل رمز التحدي و الصمود و رمز لرفض الإستسلام ولا يمكنني أن أنسى رسوماته و التي يمكن اعتبارها رسوم حديثة ،  ومن يشاهدها اليوم من دون أن يعرف من هو ناجي العلي يحس أن الفنان حي بيننا ويمارس فنه ، فناجي العلي أحس بالمستقبل و كان احساسة بطبيعة العدو صحيح وقد أثبتت الأيام صحة إحساسه ، وهو بالتالي حي لم يمت  وفنه باقي معنا في كل متاعبنا وآلامنا .

 

هل تعتقد أن الفنون التشكيلية و التصوير الفوتوغرافي بشكل خاص يلقى الإهتمام المطلوب في العالم العربي؟  

 بالتأكيد لا يلقى الإهتمام  المطلوب من الجهات الرسمية أو العامة ... فتقاسم أتعاب الفنان و المصور و العمولات في تأمين العمل و سرقة الأعمال الفنية و اللوحات و حقوق المؤلف هي ظواهر تشترك بها معظم الدول العربية بل وحتى بعض المؤسسات الحكومية الكبرى ، و هنالك تقصير من  الجهات الرسمية في تقدير المصور رغم أهميته في كل  الأعمال ، و التقصير في الرواتب و في أسعار الأعمال الفنية و النادرة ... و يشترك الفنانين و المصورين في المسئولية عن جزء من هذا الخلل ولذلك أسباب يطول ذكرها ، فنحن نرى المعارض فارغة من زوارها إلا أثناء حفل الإفتتاح و عدم التقدير لا ينحصر في الفنون التشكيلية و التصوير و الأدب فقط بل نراه في كافة مجالات الإبداع و العلوم وقد نرى الأمي يفاخر بأميته أمام المثقفين ، و العامة من الناس  تضحك على المثقف  و تسر من أفحام الأمي له .

                                      معرض الفنان عمر البحرة