الفصام الإجتماعي وانعكاساته على شخصية المرأة

قضية الرجل وخصوصيته 2-3

رانية سليمان سلامة

يُحكى أن رجلاً كان يسير مع امرأته فتعرّض لهما قاطع طريق طالباً من المرأة أن ترقص ليخلي سبيلهما. فكر الزوج بالأمر ولم يجد مفراً للنجاة سوى الرضوخ لمطلب قاطع الطريق، فأمر زوجته بالرقص مُعللاً نفسه بأن الأمر سيمر بسلام. ورقصت الزوجة وأبدعت في رقصها، ولكن ما إن أخلى قاطع الطريق سبيلهما حتى طلق الرجل زوجته، استاءت الزوجة من تصرف زوجها وحملت شكواها إلى القاضي مستعجبة ممن أكرهها على الرقص ثم طلقها، فبرر الزوج موقفه للقاضي قائلاً: لقد طلبتُ منها أن ترقص فقط ولم أطلب أو أتوقع منها أن تتفنن بالرقص!!

قصة لا أدري إن كانت من المأثورات أو من خيال كاتبها المتخفي وراء اسم مستعار والذي رمز بها لبعض الأحوال السياسية، بينما وجدت فيها عبرة لحالات أخرى متفشية في مجتمعاتنا مع فارق التشبيه. فقاطع الطريق يُشبه في سلوكه العديد من الظروف المحيطة بنا والتي تفرض علينا أحياناً الرضوخ لها لعدم وجود خيارات أخرى أو مهلة كافية للتفكير، والزوج يشبه الكثير من الرجال أو أصحاب القرار في حياة المرأة دون استشارتها وبأنانية تجعل التفكير ينحصر على الظرف الطارئ الذي يمر به وعلى المخرج دون أن يفكر بمردود ذلك على زوجته أو يراعي قدراتها الاستيعابية التي ستتصرف وفقاً لها، والزوجة تشبه الكثير من النساء اللاتي يدفعن ثمن الظروف ويحصدن بالخيبة ثمار الانسياق الأعمى وراء قرار غير قابل للنقاش من رجل، والرقص ما أكثر أنواعه وصوره بعيداً عن مفهوم هز الجسد، فالفكر إذا تحرك بعد طول سبات يتراقص وقد تنتج عن صحوته أفكار إبداعية وانجازات تفوق توقعات من أسهم بتحريكه بغض النظر عن كونها مخيبة أو مبشرة.

تلك الصور مجتمعة لا تؤدي إلا إلى حالة من الفصام الاجتماعي تنشأ من تفاقم التناقض والعقلية المتسلطة فتترك أثرها على شخصية المرأة التي رسم الرجل ملامحها على مر عقود مضت، فأحسن ببعض الاجتهادات المستندة إلى أصول شرعية في وضع الخطوط العريضة والرفيعة لتلك الملامح ثم شتت الشخصية عندما اصطدم بتناقض بين الواقع والصورة المترسخة بذهنه لامرأته.

* ملاحظة:
إشارة إلى ملاحظات القراء على المقال السابق فحديثي عن الرجل والمرأة لا يعني بالضرورة التعميم ويختص فقط بظواهر محددة يشارك بها بعض الرجال وتكون بعض النساء طرفاً في تشكيلها.

 

* رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ