غياب صناعة السينما ودورها بسبب المسمى

ليست سينما ولكن تلفزيون كبير

رانية سليمان سلامة

قد نقع في خلاف عند تعريفنا للسينما, فبينما يصفها البعض بالخطر على المجتمع يراها البعض الآخر دورا للثقافة... وبين هذا وذاك لايمكننا ان نختلف على ان السينما ماهي الا قاعة عامةبها عدد كبير من المقاعد وتتوسطها شاشة كبيرة.. فأما المقاعد فتبقى شاغرة الى ان تشغلها اجسادنا وعقولنا واما الشاشة فلا تملك سوى عرض مايتم تشغيله عليها من قبل القائمين على دور السينما.. وتتكرر التساؤلات كثيرا عن السبب في عدم وجود دور للسينما لدينا وقد اشارت وكالة أنباء المانية إلى أنه بالرغم من انتشار (مقاهي) في المملكة تعرض شاشاتها برامج وأفلاما من الفضائيات العربية إلا أنه لاتوجد دور تحمل مسمى (سينما) بالرغم من عدم وجود قرار رسمي يمنع ذلك, وحتى يكون التساؤل منطقيا اعتقد أننا علينا أن نتساءل أولاً عن سبب غياب صناعة السينما والاستثمار في هذا المجال الإعلامي محليا قياساً بكثافة الاستثمار في القنوات الفضائية والمطبوعات وغيرها من وسائل الإعلام..

ولنبدأ من نقطة إنطلاق سليمة فلابد من سن تشريعات تكفل الاستثمار الآمن في هذا المجال الذي يتميز عن غيره بأنه قابل للتطويع والتوافق مع طبيعة كل مجتمع وتقاليده وأعرافه.. وخلافاً لعجزنا عن التحكم فيما تبثه الفضائيات في منازلنا, بوسع الرقابة أن تقوم بهذا الدور لتحديد مايتم عرضه على شاشات السينما.. وبينما لانجد غالباً تصنيفاً للأفلام التي نستعرضها على شاشاتنا في المنزل تتميز السينما بأن عروضها مخصصة لفئات عمرية تراعي في تحديدها طبيعة الرواية ومشاهد العنف وغير ذلك.

وحقائق عديدة علينا أن ندركها من أهمها أننا بإمكاننا استغلالها كأداة اعلامية مضادة للأفلام المغرضة التي ينتجها اللوبي الصهيوني في هوليوود والتي تروج للعالم صورة مشوهة عن مجتمعاتنا فنكتفي دائما بنقدها دون أن نتجه الى الرد العملي عليها بنفس الآلية, ذلك الرد سيصبح مكفولا لنا متى ماتوصلنا الى صياغة تصور شامل للسينما السعودية وترشيدها بما يتفق مع المبادئ والقيم التي نؤمن بها لأن التحكم بهذه الأداة يقع بين أيدينا وعقولنا وليس العكس , فلا نريد سينما تتحكم بنا وتفرض علينا عرض أو استيراد الأفلام الجاهزة والمغلفة بما فيها من افكار ومشاهد تتعارض مع قيمنا واخلاقياتنا الاسلامية ولكننا نتطلع الى ان نصبح اصحاب مشروع سينمائي جديد قائم على فكر قويم يحسن الاستثمار في السينما لانتاج افلام عالية الجودة تحترم عقلية المشاهد وتلهمه وتناقش قضاياه, ونصوصها ترسم صورة البطل الحقيقي لشباب خطفت البابهم صور الأبطال التي تصدرها لنا هوليوود.

لسنا مجبرين بالتأكيد على مسايرة موجة افلام الاسفاف وترويجهافي دور عرض محلية ولكننا اذا اردنا ان نساير فعلينا ان نتوقف عند الافلام التاريخية ونحن أهل تلك البطولات التي لن تبادر هوليوود بانتاجها مالم نتصدى نحن لذلك..
وأفلام (الانيميشن) أو الصور المتحركة التي اصبحت اليوم على مستوى العالم تحقق اعلى الايرادات للكبار والصغار معتمدة على الابداع في التصوير والحركة والنص والمؤثرات الصوتية دون ان نقع في اشكالية البطل الذي يواجه البطلة مباشرة.

ولعلي أتوقف عند رسالتين وصلتا لبريدي الالكتروني الأولى لمؤلف يملك سلسلة مصورة عن تاريخ الاسلام موجهة للاطفال وجاهزة للانتاج السينمائي, والثانية لشاب من دولة الكويت أرفق مع رسالته نموذجا عالي الجودة لشخصية قام بتصميمها وهو حاصل على شهادة اخراج وتصميم وتنفيذ افلام الانيميشن بدرجة ماستر من كبرى الشركات الامريكية وقد أطلق على الشخصية التي تنتظر البطولة في فيلم سينمائي عربي لم ير النور بعد (مسلم مان).

قد نغير من صورة (سوبر مان) العالقة في الأذهان اذا مابحثنا عن صور بديلة ترتكز على تاريخنا وموروثاتنا وذلك مرهون بوعي المستثمر ليقدم الرسالة المناسبة في السياق الصحيح, وهو كذلك متوقف على وجود تشريعات تضمن للمستثمر في صناعة السينما فرصا لتحقيق الايرادات حتى يخاطر بأرقام فلكية مطلوبة لإنتاج أفلام تعتمد على تقنيات عالية لتنافس غيرها وتستقطب الجمهور في قاعات تخضع للشروط التي تناسب مجتمعنا لتكون على غرار قاعات المحاضرات التي يتم فيها تخصيص مقاعد للنساء واخرى للرجال فنتجاوز معضلة الاختلاط ونكتفي بممارسة المشاهدة كنشاط اجتماعي لأفلام من انتاجنا تعبر عنا وتحترم معتقداتنا وتضيف الى وسائل الترفيه وقضاء وقت الفرغ التي تنحصر اليوم لدى الشباب على الفضائيات والمطاعم والمقاهي خيارا اضافيا اكثر تشويقا وفائدة لمشاهدة عرض سينمائي راق ينشر القيم الفكرية والمعرفية والانسانية باسلوب ممتع وجذاب ولغة بسيطة ومفهومة.. فإن نجحنا بذلك سنجد بين ايدينا وسيلة للتأثير الإيجابي وأداة لمعالجة مشاكل عديدة اصبحنا نعاني منها بسبب الغزو الفضائي والمساحات الفارغة في الحياة والتي تتسرب منها أفكار سلبية تنحرف بالعقول لاقصى اليمين أو اليسار.

السينما بالتأكيد ليست الحل الوحيد ولا المنقذ الاكيد ولكنها التجربة التي لم نخضها بعد بجدية ولم نوفر مقومات صناعتها بالرغم من اننا نلمس تأثيرها وندرك انها من الأدوات الآمنة التي تخضع بالكامل لتوجيهنا.. فإن كانت لدينا اشكالية مع مسمى (دار السينما) بشكلها المتعارف عليه في الخارج فلنطوع ذلك وفقاً لرغباتنا ونفتتح قاعات (تلفزيون كبير) يبث ماهو قابل للبث فقط لعل ذلك يسهم في توفير استهلاك الشباب للبنزين في رحلات الفراغ اليومية بلا هدف بعد ان ضاقت شوارعنا وأسواقنا ذرعاً بازدحام الباحثين عن روافد جديدة لقضاء وقت الفراغ.

 

*رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ