هلال رمضان ونجوم الدعوة
عمرو خالد وطارق السويدان وخالد الجندي, من الاسماء التي برزت في سماء الاعلام الاسلامي فاعتدنا أن يكون لكل منهم برنامج في شهر رمضان.. وقد يقع الخلاف حولهم بين من يهاجمهم ويساندهم, ولكن بما ان الشمس لا يحجبها غربال فلا يمكن ان يشكك احد في قدرتهم على استقطاب الجمهور.. تلك الاسماء وغيرها من الدعاة الأقرب الى سن الشباب تجمعهم قواسم مشتركة عديدة من اهمها مهارة عرض الافكار وسلاسة ايصال الرسالة بالاضافة الى اندماجهم مع واقع المجتمع وقراءتهم السليمة لطبيعة افراده فنجحوا في مد الجسور حتى مع من فقدوا فيما مضى حلقة الوصل مع الخطاب الدعوي التقليدي.. وعادت معهم شريحة عريضة من المسلمين الى زمن بوسعك فيه ان تكون مسلما ومسلما فقط, بعيدا عن حاضر عليك ان تكون فيه مسلماً اولا ثم متبعاً لاحد المذاهب الاربعة ثم منتميا لطائفة تضم تحت مظلتها عدة فئات قد لا تختلف فيما بينها الا بهيئة اصحابها وملبسهم.. ويبدو لي ان كلا من تلك الانقسامات التي نعيشها اليوم قد نشأ في زمن ما محاط بظروف اجتماعية وثقافية وسياسية خاصة وفتن زالت ولم يزل اثرها بل لربما نجد لدى اهل العلم سعة اكبر لاستيعاب واحتواء ذلك الاختلاف قياسا بما نجده لدى العامة من ادمان لعادة اثارة الخلاف والبحث عن مواطنه.. اجدنا نمارس ضغوطا حتى على اكثر الدعاة تسامحا ببحثنا وتساؤلاتنا عن مواطن الخلاف التي كلما نأوا بأنفسهم عنها نجرهم اليها عنوة لنبقى على اختلاف.. كان ذلك جليا بعد الحلقة التي تناول فيها الداعية عمرو خالد قصة ولادة الرسول عليه الصلاة والسلام فلم يجفف ذلك الحدث من عظمته وروحانيته ولم يبالغ في احاطته بالمعجزات والاساطير ليخرج متوافقا مع العقل ومتصلا بالروح.. الا انه عرج سريعا بجملة واحدة خاطفة في سياق الحلقة الطويلة على وجود مبالغات غير صحيحة يلصقها البعض بذلك المشهد, فانهالت التساؤلات بعد انتهاء الحلقة على صفحات موقعه وفي مواقع الكترونية عديدة حول تلك الجملة تحديدا لانها لامست جزئية خلاف وكاد كل فريق ان يأمره (قل بأنك معي).
ولا استطيع ان انسى سؤالا طرحته احدى السيدات على الشيخ خالد الجندي فذكرت بانها تعمل بالتدريس في جامعة مختلطة وانها عندما ترفع يدها للكتابة على السبورة اثناء الشرح يظهر جزء بسيط من اسفل كفها فاستفسرت عن حكم ذلك, وقبل ان يجيب استدركت حديثها بملاحظة انها لا ترتدي الحجاب ولا تغطي شعرها.. لكنها تخشى من ان يكون في ظهور كفها محظور شرعي لا سمح الله.. لا نستطيع ان نخرج من متابعة اي برنامج ديني تفاعلي الا بنتيجة واحدة تؤكد ان لدى الجمهور خللا في ترتيب اولويات الدين واننا بحاجة الى ان ننطلق من نقطة (الف - باء, استيعاب وتطبيق) قبل ان ننتقل الى (جيم - دال, جزئيات وخلافات) وبحاجة للمزيد من الدعاة الذين يتعاملون مع هذا الواقع مدركين ان العامة ليسوا فقهاء ولاهم على قدر من الوعي بمكان يساعدهم على استيعاب ما يثقل كاهل العلماء في مجالس العلم.
وثمة حكمة ادركها ولزمها بعض الدعاة فتجنبوا ان يصنفوا انفسهم وبدأوا بتحرير العقول من انشغالها بالمساحات الضيقة لتهنأ باستقلاليتها في الحكم على الامور فتسمع القول من هذا وذاك وتتبع افضله كائناً من كان قائله قبل ان تفرض على حرية تفكيرها واختيارها حظراً يدفعها مبكرا الى تصنيف نفسها وحصرها في مساحة ضيقة تنساق لها كلما واجهها مفترق طريق, بالرغم من ان ذلك المفترق تلوح على جانبه الآخر نقطة التقاء وانطلاق كفيلة بسد ثغرة حفظناها عن ظهر قلب دون ان نتعلم منها دروسا تؤكد ان من يتسلل الينا مغرضا لا يجد بيننا موطئا لاقدام غدره الا بعد ان ينجح في اثارة واستثارة الخلاف بدهاء, وبينما يظن احدنا انه يمارس ديناً ويدافع عن عقيدة يكتشف بعد فوات الاوان انه قد استخدم لضرب أخيه وإضعاف وحدة صف يختل كلما ازددنا فرقاً وتفرقاً.
بالعودة الى ابرز برامج هذا العام للدكتور طارق السويدان والاستاذ عمرو خالد واختيارهما استخلاص العبر من سرد السيرة, استعدت معهما من ذاكرتي الدراسية كتاب (صور من حياة الصحابة) الذي كنا نتناوله في حصة اسبوعية تبادلية كل ثلاثاء مع مادة الإنشاء حيث كان علينا قبلها بيوم أن نتحقق من المعلمة لمعرفة إذا ماكانت حصة الغد للإنشاء أو للقصة وفي كل مرة كانت توكل لي هذه المهمة وتطلب مني المعلمة أن أبلغ الطالبات بأن حصة الغد للقصة كنت أعود فأخبرهن بأن الحصة للإنشاء ويأتي الثلاثاء محملا لي بعقوبة مستحقة على تلك الفعلة الشنعاء التي لم تكن ميولي لمادة الإنشاء لتبررها للمعلمة.. حاولت ان اعقد مقارنة بين محتويات تلك المادة وبين القصص التي ترد في حلقات الداعية عمرو خالد أو الدكتور طارق السويدان, وللمفاجأة وجدت ان المحتوى الأساسي يكاد يكون مطابقا كنص, فلماذا كانت تلك المادة ثقيلة على الطالب بينما هي اليوم خفيفة ومحببة للمتابعين من الصغار والكبار?
قد تكون آلية السرد وموهبة العرض أحد الأسباب غير أنها ليست اهمها.. فالأهم هو ان هذا المحتوى التاريخي الهام كان يقدم لنا في إطار الحفظ والتسميع على خلاف مايقدم اليوم لاستخلاص العبر من كل صورة والتعمق في مناقشة أبعادها الأخلاقية والاجتماعية والدينية مع ربطها بالواقع لتمتزج بحياتنا.. وماينطبق على تلك المادة ينطبق على المناهج التي تتناول السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي, وإن كنت أدرك أن عملية تأهيل المعلمين والمعلمات لتقديم هذه المواد بكفاءة عالية قد يتطلب خطة خمسية فلا أدري لماذا لا تستخدم مؤقتاً الوسائط الحديثة ليتم استبدال قراءة هذه القصص بعرضها بشكل مشوق من خلال اشرطة الفيديو على الطلبة والطالبات أو تحويلها الى مشاهد تمثيلية يتنافسون على ادائها لتتوافر عناصر التفاعل مع المحتوى.
فارق كبير بين أن تقرأ التاريخ وتحفظه وبين ان تشعر بانك جزء منه تمتجز به وتدرك أنك امتداد له.. وهو باختصار الفارق الذي يجعل المشاهد يحرص اليوم على الاستماع لنفس المحتوى الذي عانى بالأمس من حفظه وتسميعه ليحصد درجات تضاف إلى شهادته دون ان تضيف شيئا الى شخصيته أو رؤيته.
*رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ