النظرة الشاملة لأسباب أزمة الغلاء وانعكاساتها

أنقذوا «السوشي»

رانية سليمان سلامة

لتبسيط مفهوم الطبقية هي عبارة عن تقسيم شرائح المجتمع إلى (أطباق)، الأول هو (طبق القمح المطحون) والثاني (طبق الكبسة التقليدية) والثالث طبق (الكريمة المخفوقة). عندما نتحدث عن ظاهرة غلاء فالظاهرة تنعكس على كل طبق أو طبقة بشكل مختلف وبينما الغالبية تشتكي من غلاء الأرز وتستقبل النصيحة بتغيير قائمة طعامها للتكيف مع هذه الأزمة، هناك فئة تم تجاهلها ولابد من وضعها في إطار الصور لتعلم أن هذا الغلاء سينعكس على “السوشي” مثلاً -وهو الأرز المغطى بشرائح السمك النيئ أو المحشو بالمأكولات البحرية خفيفة الوزن ثقيلة الثمن-، ولطبقة الكريمة المخفوقة أن تتخيل حياتها ومناسباتها بدون السوشي إذا استمر سعر الأرز بالارتفاع، هذه الطبقة تستحق كذلك توجيهها إلى البدائل، فلماذا لم يخبرها أحد أن عليها تناول “الساشيمي” -السمك النيئ بدون الأرز- بدلاً من “السوشي” للمساهمة في تجاوز الأزمة من جهة ولتدرك أن الخسارة ستطال الجميع من جهة أخرى؟.

المشكلة تكمن في أن طبقة (الكريمة المخفوقة) هي الأقل عدداً ولكنها الأكثر تأثيراً عندما يتعلق الأمر بالتجارة أو باتخاذ القرار وإيجاد الحلول، وهو أمر (واقع) فوق رأس الطبقات الأخرى ليس لدينا فقط ولكن في جميع أنحاء العالم، وهذا الواقع لايمكن تخفيف وقعه على المواطن من قبل التجار وحدهم أو حتى من قبل وزير التجارة وحده، فعندما يتعلق الأمر بالمنتجات الاستهلاكية الأساسية في حياة المواطن لابد من التنسيق بين كافة الوزارات لقياس حجم الأزمة والمشاركة في وضع الحلول.

من الواضح أن وزير التجارة قد أعلن بتصريحاته الأخيرة خبرا يؤكد أنه لم تعد هناك حلول سوى (شد الحزام) أو التكيف مع ارتفاع الأسعار، والرسالة قد وصلت للمواطن ولكني أشك في أنها قد وصلت لبقية الوزارات كوزارة المالية التي بوسعها إعادة دراسة منافع ومساوئ ارتباط الريال بالدولار وانعكاس ذلك على عملية الاستيراد من أوروبا وآسيا، ووزارة العمل التي بوسعها إعادة النظر في الحد الأدنى للمرتبات، وجميع الوزارات المعنية بالخدمات العامة كالكهرباء والاتصالات والمياه والمواصلات بالإضافة إلى وزارة الإسكان التي تستدعي الحاجة إليها اليوم إعادة النظر في قرار دمجها بوزارة الشؤون البلدية.

نحن بأمس الحاجة إلى دراسة تكشف نتائجها عن نسبة ارتفاع أسعار المنتجات والخدمات خلال العقد الأخير إلى نسبة ارتفاع متوسط دخل المواطن السعودي، وبحاجة بعدها إلى وضع آلية (حفظ توازن) بين الاثنين ليصبح وضع المواطن متوازنا كوضع اقتصاد بلده.

لقد كان بوسع المواطن أن يستوعب أزمة ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية لو أن هذا الارتفاع واجهه انخفاض في تكاليف المعيشة، ولكن من الصعب أن يتحمل فاتورة ارتفاع أسعار الاستيراد بالإضافة لارتفاع أسعار الخدمات العامة مع (شلل) مصادر الدخل المتوفرة أمامه.

كل ماذكرته أعلاه هو نتاج صرخة مواطن على أتم الاستعداد للتكيف مع الظروف التي يواجهها وطنه شريطة أن يوجهه أحد إلى الكيفية!! فهو على استعداد للعمل في أي وظيفة وإن كان المجتمع ينظر لها بدونية، ولو كان المرتب لايتجاوز 1500 ريال، كما أنه على استعداد للاستغناء عن كافة الأمور الكمالية والاكتفاء بتسديد إيجار شقة وفاتورة كهرباء وهاتف ثابت ومواصلات عامة ومصاريف زوجة وطفل واحد، دون سيارة خاصة أو هاتف جوال أو ملكية منزل... ويتساءل هل عملية التكيف و”التضحية بالأحلام” ستصل به إلى حياة كريمة كل متطلباتها (مأكل ومسكن وكهرباء ومواصلات) ويجيب بعد حسابات طويلة ودقيقة (لا)، وبما أنه ليس أرملة ولا مطلقة ولا عاجزا فلن تشمله إعانات الشؤون الاجتماعية ولن تراعي البنوك مرتبه المنخفض ليحصل على قروض، ويكرر أن بوسعه أن يستوعب غلاء أسعار المواد الغذائية المستوردة في حال وجود جمعيات تعاونية تراعي الشريحة التي ينتمي إليها أو وجود مسكن بإيجار رمزي أو حصوله على بطاقة توفر له استخدام المواصلات العامة بالمجان، أو إعفائه من فواتير الكهرباء.

كم نسبة المواطنين الذين يعانون اليوم نفس المعاناة؟ لا أعرف... ومتى سيتحقق حلم مشاركة جميع الوزارات في دراسة الأزمات الطارئة والتنسيق لتحمل مسؤولية حلها؟ لا أدري... ولكن ما أتمناه حقاً هو النظرة الشاملة لأسباب الأزمة وانعكاساتها وقدرة المواطنين على استيعابها، فبوسع الإنسان أن يضحي ببعض الأشياء لبعض الوقت ولكن لا يمكنه أن يضحي بكل شيء دون وجود إطار زمني لتاريخ صلاحية التضحية أو آلية لخروجه من عنق زجاجة الغلاء.

 

رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ