وصلنا إلى النقطة المناسبة في الوقت المناسب قبل أن تمتد أيد مغرضة فتقدم وظيفة شاغرة لحقيقة كانت تعاني من البطالة بيننا

من توحيد الوطن إلى اتحاد أطيافه

رانية سليمان سلامة

يحتفي الوطن بيومه في كل عام محملاً برسالة كتبها التاريخ منذ عقود مضت عن أرض توحدت وخيرات اجتمعت لأهلها وانجازات خالدة... والرسالة تتجدد في كل عام ليضاف إليها ما يشبه طوابع البريد التي ترمز إلى أهم سمات العهد الذي نعيشه... ولو قدر لكل مواطن أن يختار الطابع البريدي الذي سيزين به رسالة الوطن في هذا اليوم لاخترت طابعاً يرمز إلى عهد توحيد أطياف الوطن والتأسيس لوحدة الشعور الوطني بينهم.

إن خطوة توحيد المملكة التي أقدم عليها المؤسس طيب الله ثراه قد تبعتها خطط التنمية وتوجها البناء حتى تشكلت نهضتنا المعاصرة... وآن الأوان لكي نتعرف على الأفراد الذين كانوا شركاء لعقود من الزمان في حراثة أرض الوطن حتى غدت بسواعدهم خصبة وممهدة للبناء... آن الأوان لنتعارف ونتصافح في عهد الحصاد بعد أن سبق لنا أن تشاركنا لعهود ماضية في قطف ثمار أرض فاضت بخيراتها علينا... وآن لنا أن تأبى نفوسنا أن تكون أشد قسوة وأكثر وعورة من الأرض التي توحدت جبالها مع سهولها وبحارها مع صحاريها وثروتها النفطية مع مكانتها الدينية.

آن لنا في هذا العهد أن نتعلم من الأرض ونتذكر ماجنيناه من توحيدها لندرك أهمية تحقيق وحدة إنسانية يحتفظ كل فرد فيها بما يميزه شريطة أن يحسن التكامل مع غيره.

لقد كان من الصعوبة بمكان على قوس قزح من الألوان أن يشرق قبل أن نكتشف أسرار هذه الأرض حتى إذا ما لم يعد يخفى علينا من أسرارها شيء تذكرنا عطاءها واستشعرنا مسؤوليتنا حيال تعزيز عناصر قوتها بوحدتنا.

ندرك اليوم أننا بدأنا نواجه للمرة الأولى حقيقة التنوع الذي يسكن جنبات هذا الوطن وتعرفنا على تعدد أطيافه والخوف يسكن نفوس البعض من فتنة قد تشتعل، بينما الواقع يؤكد أننا قد وصلنا إلى النقطة المناسبة في الوقت المناسب قبل أن تمتد أيد مغرضة فتقدم وظيفة شاغرة لحقيقة كانت تعاني من البطالة بيننا... فببساطة إذا لم ننجح باحتواء التعددية وتوظيفها لصالحنا فهناك من سيجد لها حيزاً يوظفها فيه ضمن خطط تصب في جحيم مصالحه الخاصة التي ترمي إلى ضرب هذه الوحدة ذات الجذور الضاربة في عمق تاريخنا حتى قبل أن نتمكن من استيعابها.

ولقد قدر الله لنا أن يدرك هذه الحقيقة فارس هذا العهد منذ أن كان ولياً للعهد فوضع حجر الأساس لمشروع تعارف ومكاشفة وحوار، ولا أظن أن اختيار تزيين مشروع الحوار الوطني ومركزه باسم المؤسس طيب الله ثراه قد جاء عشوائياً، لأننا إذا تمعنا في أهدافه سنجده الامتداد المطلوب لمسيرة توحيد الأرض... هكذا علمتنا كل دروس التاريخ الخالدة أن الدول العظيمة قد شكلتها فتوحات أزالت الحواجز والحدود لتتوحد الأرض أولاً ومن ثم يتحد سكانها منتصرين بعزيمتهم على الفرقة والضعف والتشرذم ومترابطين بتآخيهم ومؤمنين بقيم العدالة والتسامح والمساواة التي تجمعهم.

كل تلك القيم وغيرها حملها إلينا قائد هذه المسيرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز... فانطلق الحوار بحرية هذبها توجيهه لرموزها ليتجنبوا التصنيف والاتهامات الكفيلة بتعطيل وتشويه لغة الحوار... وحسم قضية المزايدة على الوطنية بتأكيده أن جميع أفراد الشعب السعودي مخلصين ما لم يثبت بالدليل القاطع مايدعو إلى الشك في أحدهم ومبعداً المتحاورين عن الغرق في أوحال التشكيك العشوائي ببعضهم البعض.

لايمكننا أن نغفل في هذه المرحلة أن طبيعة الحوار تحكمها ثقافة وتجربة المجتمع، وما نراه مقبولاً في مجتمعات أخرى من تبادل اتهامات وحدة في الانتقادات لابد أن ندرك أنها مرحلة متقدمة من الحوار سبقتها حكمة وتدرج في حل الخلافات حتى اتضحت بجلاء نقاط الالتقاء وترسخت قناعة جميع الأطياف بأهمية وحدتهم الوطنية.

يبقى أمامنا في هذه المرحلة خياران، أولهما أن ننخرط في منظومة الوحدة الوطنية متخذين الحوار طريقاً لتحقيق الوحدة المنشودة بين أطياف المجتمع ومدركين أن هذا الهدف لا يتحقق إلا بصدق النوايا واحسان الظن واحتواء الخلافات والتكيف مع الاختلافات، وثانيهما أن ندخل في (مخرطة) الصراع لينهزم الوطن وينتصر أعداؤه.

لايداخلني شك في أنه لا يوجد بين أبناء وطننا الحبيب من يود (عمداً) أن يعطل مسيرة هذه الوحدة ولكن (جهلاً) ربما نفسد في أرضنا بينما نظن أننا المصلحون.

 


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ